مَن حرك جبني قصة شهيرة بيع منها ملايين النسخ للكاتب الشهير سبنسر جونسون
ترجمة - هبه رشوان
"إن الحياة ليست طريقًا مستقيمًا سهلاً نسافر عبْره بحُرية دون معوقات؛ ولكنها متاهة من الممرات، يجب علينا أن نكتشف خلالها طريقنا، نضل أحيانًا، ونرتبك أحيانًا، ونتخبط في ظلام حاراتها أحيانًا أخرى. إلا أننا دائمًا، إذا تسلحنا بالإيمان سيُفتَح لنا الطريق، وبينما قد يكون هذا الطريق ليس ما تمنيناه لأنفسنا، إلا أنه لا يلبث أن يثبت كم هو مفيد لنا" A.. J. Cronin
بتلك الكلمات التي تعبر عن نهج الحياة التي نحياها بما فيها من مصاعب وتقلبات لا تتوقف عن الحدوث، وما يتحتم علينا خلالها من أن نتلمس طريقنا الصحيح خلال هذه التغيرات - استهل المؤلف Spencer Johnson, M.D. كتابه الشهير "من الذي نقل جبني؟!" (الطريقة المذهلة للتعامل مع التغيرات في عملك، وفي حياتك).
في هذا الكتاب يطرح المؤلف حقائق عميقة عن التغيير، يمنحها لمَن يريدون النجاح في هذا العالم المتغير، مِن خلال قصة أبطالها أربع من الشخصيات التي تعيش في متاهة تبحث عن قطعة من الجبن؛ لتحيا عليها، وتستمد من خلالها سعادتها.
وقد استخدم المؤلف الأسلوب القصصي الرمزي؛ حيث عرض بكتابه مجموعة من الرموز الواضحة فمثلا "الجبن" في القصة: رمز لكل ما تريده في حياتك - سواء كانت وظيفة مرموقة، أو علاقة محبة، أو أموال، أو ممتلكات، أو صحة جيدة، أو حتى صفاء الذهن وسلام النفس. "المتاهة": هي المكان الذي تبحث فيه عما تريده - قد يكون المكان الذي تعمل به، أو العائلة، أو المجتمع الذي تحيا به. أما الشخصيات الأربع فهم: الفأرَان "Sniff" و"Scurry"، والأقزام "Hem" و"Haw". وهذه الشخصيات الأربع تمثل الجوانب البسيطة والمركبة من أنفسنا، مهما كانت أعمارنا، أو أنواعنا، أو أجناسنا، أو جنسياتنا. ومهما كانت الأجزاء التي نختار أن نستخدمها؛ فإننا جميعًا لدينا شيء مشترك: "جميعنا نحتاج إلى أن نجد طريقنا في متاهة الحياة، وإلى أن ننجح في وقت التغيير".
حتمية التغيير
في عالم يتعاقب فيه الليل والنهار، ويختلف عليه الصيف والشتاء، ويتجاور فيه الموت والحياة، ويتزامن فيه الفشل والنجاح.. لا بد أن يأتي التغيير؛ فالذكي هو مَن يتوقع حدوثه كإحدى ظواهر الحياة الطبيعية.
عندما ننطلق في الحياة مثلما انطلق أبطال القصة، تعترك داخلنا الغرائز الفطرية القوية لتبحث ببساطة عما تحب، التي تتمثل هنا في الفأرَيْنِ، مع العقل البشري الممتلئ بالمعتقدات والمشاعر، وهما الأقزام في بحثهما عن نوع فاخر من الجبن يؤمنون بأنه سيجلب لهم السعادة. الجميع في سباق للبحث عن الهدف. "Sniff"، "Scurry" اعتمدا على طريقة المحاولة والخطأ، وتذكرا دائمًا أخطاءهما للاستفادة منها، وانطلقا نحو مساحات جديدة، "Hem"، "Haw" قادتهما قدراتهما على التفكير، وما تعلماه من تجاربهما الماضية؛ لتطوير طرق أكثر تركيبًا جعلت من الحياة في المتاهة أكثر تعقيدًا وتحديًا.
وبالرغم من اختلاف الطرق المستخدَمة في عملية البحث؛ فقد نجح الجميع يومًا ما في العثور على الجبن المنشود. وكما نألف الأشياء التي نستمتع بها، أو بأدائها من حولنا، حتى إننا لا نكاد نلحظ تفاصيلها، أصبح الذهاب إلى مخزون الجبن للاستمتاع به روتينا يوميًّا. إلا أنه كانت هناك بعض الاختلافات السلوكية بين الشخصيات؛ كان "Sniff"، "Scurry" يستيقظان مبكرًا كل يوم، ويسرعان في الذهاب إلى محطة الجبن. وما إن يصلا حتى يخلعا أحذية الجري الخاصة بهما، ويقوما بربطها حول رقبتيهما؛ وذلك حتى يتمكنا من الانطلاق السريع عند الحاجة إليهما مرة أخرى؛ فالاستعداد الدائم ومواصلة السعي يعنيان التكيف السريع أمام مختلف الظروف والاحتياجات.
أما بالنسبة للشخصيات البشرية؛ فقد تغير الروتين الخاص بهما يومًا بعد يوم؛ فقد تأخر استيقاظهما اليومي، وتباطآ في الانطلاق، وشعرا بالراحة حتى أنهما كانا يخلعان أحذيتهما، ويضعانها بعيدًا، حتى شعورهما بالسعادة تحول إلى روتين يومي، وقد يكون لديهما قدْر من الثقة بأن الجبن سيكون كافيًا إلى نهاية العمر، وأنه كهدف، أصبح ملكية دائمة الوجود لهم، وإن جهلوا من أين أتى؟! أو ما هي الظروف التي تحيط به؟! وهكذا نقلا منزلهما بالقرب منه، وربطا جميع أركان حياتهما به بشكل مطلق حتى تحولت الثقة في وجوده وحقهم المخول إليه إلى نوع من الغطرسة.
أما الفئران؛ فقد لاحظا أن مخزون الجبن يتناقص يومًا بعد يوم؛ ولذا فقد أعدا أنفسهما، وتوقعا التغيير المحتوم. وعندما جاء يوم التغيير "يوم اختفاء الجبن" انطلقا للبحث مرة أخرى، لم يستغرقا في التحليل المفرط للتغيير؛ فالسؤال وإجابته في منتهى البساطة، لقد تغير الأمر؛ ولذا فقد قررنا أن نتغير تباعًا، علينا أن ننطلق للبحث مرة أخرى في متاهة الحياة.
إن لم تتوقع التغيير فستشعر بالظلم
وعندما أخذا في الصراخ والعويل، لم يكن تصرف الأقزام جذابًا أو مفيدًا؛ ولكنه كان مفهومًا؛ فالعثور على الهدف كان شاقًّا، وقد عنى لهما كل ما يحتاجان إليه ليكونا سعداء، مما جعلهما يستغرقان مزيدًا من الوقت للتحقق من حقيقة الأمر، وتقييمه، وتحليله، وتقرير ما يجب فعله.
وهكذا ظل القزمان يترددان على موقع الجبن القديم، وهما يحاولان أن يقنعا أنفسهما "لعل الموقف لم يتغير بهذه الدرجة، لماذا لا يكون الجبن مختبئًا خلف هذا الجدار؟!"، وبدأ القزمان في ثقب الجدار؛ ولكنهما لم يجدا شيئًا خلفه. "دعنا نزيد من حجم الثقب"، وفي كل مرة يعودان منه بمزيد من الإحباط والهموم والإرهاق. إلا أن "Haw" بدأ يدرك الفارق بين النشاط والإنتاجية، أما "Hem" فقد قرر أنه يجب الجلوس والانتظار حتى يعود الجبن.. ولم يشك في عودته. ولكنه لم يظهر أبدًا.
وبدأت قوى "Hem" و"Haw" تخور نتيجة الجوع والضغوط. وبدأ "Haw" يضجر بما يحدث، وأيقن أنه كلما طال انتظارهم في هذا الموقف المتحسر ازدادت حالتهم سوءاً. حتى جاء اليوم الذي انفجر فيه ضاحكا "انظر إلينا إننا نقوم بنفس الشيء كل يوم دون تغيير، ثم نتساءل: لماذا لا تتحسن الأمور؟!.. لا بد من التغيير". وبالرغم من أنه لم يكن يعرف أين يجد الجبن، فإنه رأى ما فعله الخوف به. وعندها تساءل: "أين وضعنا أحذية الجري الخاصة بنا؟!" لقد استغرق الأمر كثيرًا ليجدا الأحذية؛ لأنهما قد وضعا كل شيء بعيدًا عندما وجدا الجبن في المرة الأولى، لقد اعتقدا أنهما لن يحتاجا لأدوات البحث مرة أخرى واطمئنا إلى استمرارية الوضع الحالي.
أوقِد شمعة بدلاً من أن تلعن الظلام
عندما انتبه القزمان إلى عدم وجود الفأرين الصغيرين، فكّرا في أنهما الآن قد يمران بمزيد من الصعوبات خلال تلك المتاهة التي تحوي في أحيان كثيرة مزيدًا من الشك والتخبط، ولكنهما أيقنا أن هذا لن يدوم طويلاً.
وأقر"Haw" بأن: "الأشياء تتغير من حولنا، ربما يجب علينا أن نتغير، ونعمل بطريقة مختلفة.. كم هو ممتع أن نجد جبنًا جديدًا! وكم سيكون شيقًا أن ننطلق في مغامرة جديدة في المتاهة!". وكلما اتضحت صورة الجبن الجديد ومتعته أمام "Haw" رأى نفسه يبتعد عن موقع الجبن القديم.
لماذا نخشى التغيير؟!
حب المألوف وخشية المجهول:
عندما صرخ "Haw" قائلاً: هيا ننطلق للبحث عن جبن جديد. أجاب "Hem" بالرفض" إنني أحب هذا المكان؛ فهو الذي أعرفه؛ بالإضافة إلى أنه من الخطر أن ننطلق إلى الخارج"
قال "Haw":" ليس هناك خطر؛ فقد قمنا بهذا من قبل؛ لقد انطلقنا في أجزاء عديدة من المتاهة، ويمكننا أن نفعلها ثانية".
الخوف من الفشل:
رد "Hem": لقد أصبحتُ عجوزًا؛ فلا أقوم بذلك، وأنا أخشى أن أضل طريقي في المتاهة، وأجعل من نفسي أضحوكة…"
الخوف من الألم:
وهذا الألم لن يحدث إلا في حالة المكوث طويلاً في حالة استرخاء أمام المألوف، أو الجهل بالعالم المتغير من حولك.
وضع "Haw" حذاءه "لقد حان الوقت لنجد الجبن الجديد"، وتساءل في نفسه "أين يمكن أن أجد الجبن هنا في نفس المكان؟، أم في الخارج في المتاهة؟ وأجاب: "بالطبع في المتاهة في الخارج". ويرسم Johnson صورة "Haw" الذي أسعدته هذه الصورة في مخيلته وتحولت سعادته إلى ثقة في العثور على جبن جديد، وستأتي معه بالتأكيد العديد من الأشياء الجميلة، وسرعان ما تحولت الثقة إلى شجاعة.. تلك الشجاعة التي نحتاجها جميعًا حتى نتواصل مع التغيرات الحادثة لنا. "إن الأشياء تتغير في بعض الأحيان ولا تعود لما كانت عليه أبدًا… تلك هي الحياة! ولكن الحياة تمضي، ويجب أن نمضي نحن أيضًا".
أما "Hem"؛ فيقف مثلما تقف بعض الشخصيات في الحياة، يعجزها الخوف عن تحويل الطاقات السلبية الناجمة عن التغيير التي تؤدي إلى الجمود والموت إلى طاقات إيجابية منتجة. لقد تحول خوف "Hem" إلى غضب أصم آذانه عن الاستماع لنصائح "Haw"، لم يستطع أن يضحك من ذاته.. لم يستطع أن يتجاوب.
عندما نستعد للانطلاق مرة أخرى؛ فإننا نستشعر معنى الحياة الذي نفتقده عند الجمود أمام التغييرات، عندها نتمكن من رؤية الأشياء، وملاحظة أنفسنا بوضوح، ونتمكن من إطلاق المشاعر والانطلاق.
لام "Haw" نفسه لمكوثه بمحطة الجبن القديمة أكثر من اللازم؛ مما أضعف قواه، وجعله يستغرق وقتًا طويلاً، ويتحمل المزيد من الألم؛ حتى ينطلق في المتاهة مرة أخرى؛ ولكنه قد عقد العزم أنه لو واجهه التغيير مرة أخرى؛ فإنه سيخرج من منطقة الراحة مسرعًا، وينطلق على الفور مع التغيير. وابتسم "Haw"، وقال لنفسه: "قد يكون التأخير في الانطلاق أفضل من الانتظار للأبد".
لم يكن الانطلاق سهلاً؛ فالأشياء قد تغيّرت كثيرًا عما كانت عليه، ولم يكن "Haw" مواكبًا لها. ودائمًا ما يكون الانطلاق بعد التغيير نوعًا من التحدي؛ ولكنه لا يلبث أن يثبت أنه ليس بهذا القدْر من السوء الذي تخيلته في البداية. حتى إن "Haw" قد بدأ يتذكر أن الجبن القديم كان قد فقد لذته، وأصبح قديمًا، وكان لا بد له أن ينتهي يومًا ما، ولا بد له أن يجد جبنًا جديدًا، كما يتحتم عليه أن يكون يقظًا من الآن فصاعدًا؛ حتى لا يكون التغيير مفاجئًا له.
ما الذي يجعلنا نتغير؟!
هل هو الخوف من الفناء؟! إننا نبدأ في التغير عندما نتعلم كيف ننتقد جمودنا وأخطاءنا بموضوعية. وأسرع الطرق للتغيير عندما نتمكن من السخرية من حماقتنا، عندها نستطيع أن نتحرر.. وننطلق!
وبالرغم من أن "Haw" لم يعثر على جبنه الجديد سريعًا، فإنه قد اكتسب في رحلته مجموعة من المعتقدات التي أدت إلى تولد سلوكيات جديدة لديه، كما استفاد من الأساليب المختلفة التي استخدمها في بحثه، وكذلك نال احترام الفأرين حين لقياه بشخصيته الجديدة الواعية النشطة - وهو ما يُعَدّ مكسبًا في حد ذاته.
... والنهاية هنا ليست نهاية؛ ولكنها دائمًا بداية لشيء جديد