السلام عليكم
بصراحة كنت ابحث عن كتب ومقالات في فنون الاخراج والكتابة فوجدت هذه المقالة القيمة التي ارجو ان تكون الفائدة فيها بنسبة كبيرة بس ما اريدكم تنسوني من صالح دعائكم
كيف تنتج تقريراً تلفزيونياً إبداعياً
العين تحب أن تشاهد الأحداث والأفكار كما هي على أرض الواقع، وإذا أغرقنا عينَ المشاهد وعقلَه بالبرامج الحوارية ـ مثلاً ـ دون أن تتخللها تقاريرُ (صدقيةٌ) تؤكد واقعيةَ الحدث.. سيديرُ المشاهدُ مفتاحَ (الريموت كنترول) إلى محطة أخرى، لأننا ببساطة خاطبنا سمعَه، ولم نخاطب عينَه!
(التقاريرُ القصيرة) قالبٌ إنتاجيٌ ذو تأثير بالغ على الملتقي، ويخاطب الجزء اللاواعي عنده، لأنه يمثل مرآةَ الواقع، والمشاهدُ يريد من يطرقُ بابَه، ويسألُ عن أحواله، ويسبرُ أغوارَه، وينقلُ أفكاره، فإذا رأى من ينوبُه على الشاشة، انجذب إليها وفتح كلتا عينيه، لأننا باختصار (خاطبنا عينيه).
(التلفزيون) هو كتلة بصرية هائلة، تتسارع وفق خط دراماتيكي، مبني بتسلسل منطقي، وما نلم نوقن بهذا، ونطبقه في إنتاجنا التلفزيوني؛ فإننا في الحقيقة قد أنتجنا (برامج إذاعية) ! ولو كانت بكاميرات وإضاءة وترددات فضائية! وهذا سر جاذبية التلفزيون، وإن أردتَ أن تقيس نجاح برنامج يؤثر على قناعات الناس ويحركهم إيجاباً؛ فاْطفيء الإنارة في منزلك، ولا تنظر إلى التلفاز بوجهك، بل استدر إلى الجهة المقابلة من التلفاز، وانظر إلى الجدار، فإن رأيت الصور وكثافة الإضاءة تتغير كلَّ بضع ثوانٍ، فاعلم أنه عملٌ قد بُذل من أجله جهد، بغض النظر عن جودة المضمون. أما إن استقر عكس الصورة في الجدار.. عشرات الثواني، بل ربما عدة دقائق.. فلا تَعد إلى مشاهد التلفاز، بل استرخ مباشرة على الأريكة، وأرخِ العنان لجفونك.. كي تنعم بنوم هانئ!
وردني عبر بريدي الإلكتروني رسالة من أحد زملائي في قسم الإعلام، إبان دراستي في مرحلة البكالوريس، ولا يزال هو على مقاعد الدراسة الجامعية، ومع ذلك أبى على نفسه إلا أن يدخل سوق العمل الإعلامي، ويصقل مهاراته مبكراً، وهو الآن في مستهل البدء بالعمل مع مؤسسة إنتاج تلفزيوني ، إنه أخي وصديقي : ( عبد الله السماعيل )، أرسل إلي بهذه الرسالة التي أنقلها إليكم بنصها ثم أورد تعقيبي عليها :
” أخي الغالي/ تركي.سؤالي: الآن قرُب البدء بالعمل _بإذن الله_, فما هي الآلية التي أبدأ بها فور تحديد موضوع الحلقة؟أعني أن التقارير تستلزم _كما تعرف_ سيناريو, فأُريد فكرة بسيطة عن سيناريو التقارير, لأن المؤسسة تُريد عملاً ذا جودة عالية, و “إذا عمل أحدكم عملاً فليتقنه”فإذا كان موضوع الحلقة الأولى عن “المرضى وزيارتهم”, فكيف أصوغ سيناريو التقرير، وللإحاطة فالحلقة فيها ثلاثة تقارير: الأول: للشيخ عندما يخرج مع الشباب الذين بصحبته لزيارة المرضى . والثاني: الذي يتعلق بتفاعل الجمهور. والثالث : استطلاعات رأي.
فأكثر شيء مهتمٌ له هو كيف أكتب سيناريو للتقرير, وما هي الأمور التي تجعل تقريري مميزاً ويؤثر على المتلقين؟ “
ويمكنني الإجابة عن تساؤلات الأخ عبد الله ضمن النقاط التالية /
1- أول شيء أنصح به كل من يدخل عالم ( التلفزيون ) هو : الرغبة، لا بد أن تحب هذا العمل الذي ستقوم به، وليس هو تكليفاً من مدير الإنتاج، أو مشرف البرنامج، لا بد أن تكون مقتنع تماماً بالفكرة، ومضمونها، وأبعادها، وهنا محك الإبداع، فطالما أن الفكرة تروق لك كثيراً، وتتراءى لك صباح مساء، وتستهويك القراءة فيها والكتابة لأجلها، عندها أقول لك : ستهون أمامك كل الصعاب والعقبات، بمجرد أن تبدأ في العمل، ولهذا فقد وجدتُ أن من ينتج الأفلام الوثائقية وفق نظام ( القطعة) بالاتفاق مع مؤسسة إنتاج ـ مثلاً ـ أكثر إغراقاً في تفاصيل إتقان العمل من الذي يُكلف بالفيلم من قِبل مديره المباشر في محطة تلفزيونية.
2- بعد تحديدك للفكرة.. خذ ورقة وقلم ، وقم بعصف ذهني عميق، اكتب الفكرة في وسط الورقة، ثم ارسم التشعبات الرئيسة للأفكار المنبثقة من ذات الفكرة، ثم زد في هذه التشعبات إلى أن تصل إلى أفكار ثانوية أكثر تخصصاً، وبعد ذلك تأمل فيها قليلاً ، واسأل نفسك : ” ما البداية غير الاعتيادية التي سأبدأ بها ؟ ” وفتش في ورقتك هذه عن فكرة تناسب أن تستهل بها، واشطب على بقية الأفكار التي لا ترى ضرورتها،حتى تصفو لك زبدة الأفكار من موضوعك الرئيسي الذي ستطرحه في التقرير.
3- الآن تشكلت معالم الفكرة بين يديك ، فخذ ورقة أخرى وابدأ بكتابة الأفكار النهائية على شكل محاور وأسئلة، فالمحور : يصفُ نطاق المعلومة وحيثياتها، والأسئلةُ تنضوي تحت المحاور لتعطيك محفزاً في البحث عن إجابات محددة، وهذا الأسلوب العلمي متبع في مقدمات الرسائل الجامعية وهو ما يسمى بـ ( تساؤلات الدراسة) ، وهدفه : أن يفيدك في طرح أسئلة دقيقة على ضيوفك في التقرير، فتتجنب الحشو الزائد الذي لا طائل من وراءه.
4- وبعد أن كتبت المحاور والأسئلة.. تأتي الآن: مرحلة البحث عن المعلومات والضيوف، ربما يكون البحث عن المعلومات في هذه المرحلة أكثر تحديداً، أي أنك تبحث عن المعلومات ضمن المحاور والأسئلة، فتبحث في مواقع (النت) عن الأبحاث التي تطرقت لموضوعك، وتلخصها على هيئة نقاط، ثم تذهب لأحدى المكتبات العامة، وتبحث في فهرس المكتبة عن طريق الحاسب عن مفردات موضوعك، وتقرأ في الكتب المعنية، ثم تصور بعض الوريقات التي تحتاجها، أو دوّنها مباشرة في مذكراتك، حاول أن تتصل بأساتذة جامعات أو مختصين أو مثقفين تسألهم عن المهتمين في جانب موضوعك، حينها تكون قد كونت ثروة معلوماتية تغذي تقريرك، بالإضافة أنك حددت ضيوفك ذوي الاهتمامات في حقل المعرفة الذي أنت بصدد إنتاج تقرير عنه.
5- قم بكتابة هذه الأفكار والمحاور والأسئلة وأسماء ضيوفك والمواقع التي ستصور فيها في سيناريو أولى Script))، فائدته : أنه ينظم تدفق إنتاج التقرير عبر مراحل متسلسلة توفر الوقت والجهد وبجودة عالية، فمثلاً لديك 5 ضيوف، كل واحد في طرف من مدينتك، يمكنك الاتصال بهم والاتفاق على التصوير في فندق ـ مثلاً ـ وتواعدهم في أوقات متقاربة، فالأول : 4 عصراً، والثاني : 4:30 والثالث: 5، والرابع : 5:30، والخامس : 6مساءاً.
وفي هذا السيناريو الأولي : تقوم بترتيب تسلسل التقرير من (الثانية الأولى) إلى تمام (الدقيقة الثالثة)، وبالمناسبة : فقد وجدتُ أن أكثر التقارير احترافية هي تلك التي يكون زمنها: ( 3) دقائق فقط! وتُعد BBC رائدة في هذه المدرسة، فمن أراد الاستفادة فليتابع تقاريرها على BBC عربية عن طريق النت أو الأقمار.
فترتيبك لمدخل التقرير ووسطه ونهايته مهم للغاية، إذ أن الهدف إمتاع وإفادة المشاهد، ولو كان موضوع التقرير محزناً، فإن طريقة إخراجه والمؤثرات البصرية والسمعية كفيلة بجعله جذاباً، وكلما كان التقرير أقرب إلى ( الحكاية) كان أقرب إلى المتابعة، لأن النفوس مجبولة على حب السرد القصصي، وتود أن تعرف النهاية، فإن أنت صغتَ تقريرك بقالب قصصي، ونسجت خيوطه بـ(حبكة)، وجعلتها تتفاعل إلى أن تصل إلى ( الذروة)، ثم حللت خيوط العقدة، لتظهر النتيجة.. إن أنت فعلت هذا فصدقني أن تقاريرك ستترك أثراً في أذهان الناس كما يترك (الحبل) أثراً على حافة البئر لكثرة رفع الدلاء!
6- الآن .. ابدأ بالتنفيذ.. هيا: ” 5..4..3..2..ابدأ” قم بالتصوير، واحرص على تكوين (كادر) إبداعي، يتناسب مع موضوعك، فالفرح له ألوانه،والحزن له ألوانه، والموضوعات السياسية لها كادرها المناسب وهكذا، والمقصود بالكادر الإبداعي : هو ما تراه على شاشة الـMONITOR الخارجة من الكاميرا، لا ما تراه عن طريق عينك المجردة، وهذا مهم ، لأن العين لها مدى أوسع من الشاشة، والمشاهد لا يرانا إلا في حدود الشاشة، لذا نحن نتكفل بتجميل وتهيئة ما يدخل ضمن حدودها، وما عداه فلا يراه المشاهد.
يعجبني بعض من يخرجون التقارير ممن يجعلون (كادراتهم) هادئة، وبسيطة، ويضيفون لمسات في الإضاءة، تجعل الصورة في غاية الروعة، ثم أجد أن الكادرات الإبداعية لا تخلوا في العادة من Depth (العمق)، وهو فرق المسافة بين Foreground و Background فإذا أردت أن تصور لقاء مع ضيفك فلا تجعل خلفه الجدار (Flat) بل حاول أن تُعدّل في الـLocation وتقدم وتؤخر ليظهر عند عمق في الكادر، حينها سترى شيئاً رائعاً .
7- بعد التصوير تأتي مرحلة ( التفريغ) ، طبعاً .. إلى هنا تكون قد صورت وجمعت التالي / § مقابلات الضيوف.§ فقرات ربط للمذيع.
§ انسرتات عامة ( لها ارتباط بالموضوع).
§ Material ومواد إرشيفية من المكتبة الفيلمية في القناة أو لدى شركة إنتاج.
§ Graphics رسومات بيانية وإحصاءات وأرقام.
الآن اجتمعت عندك هذه الأشرطة والمواد، قم بتفريغها وفق الـ Time Code ، فتأخذ أشرطة تصوير اللقاءات ـ وإخواننا المخرجين المصريين يسمونها (شرايط) ! ـ تأخذ هذه الأشرطة وتركبها الواحد تلو الآخر في ماكينة VTR وتشاهد اللقاء كاملاً، وتفرغ كلام الضيف، مثلاً :
- د. فلان الفلاني أستاذ الدراسات الاجتماعية : السؤال الثالث: 00:22:34:24 : قال : ” يجب على المؤسسات التربوية أن تمد جسور التواصل مع الآباء لحل مشكلات الأبناء الأخلاقية.”
فالرقم أعلاه هو Time Code واختصاره TC : يعني من اليسار إلى اليمين : الخانة الأولى 00 الساعات، الخانة الثانية :22 الدقائق، الخانة الثالثة : 34 الثواني، الخانة الرابعة : 24 الفريمات (Frames ) . وكل ثانية تحوي ( 25 ) فريم Frame .
التفريغ هذا لكل المواد التي بين يديك ، وسيأخذ وقت ولكنه مهم جداً، وفائدته : أنه يساعد في تركيب المقاطع وفق تسلسل منطقي ، وترابط متين بين الأفكار، ليقنع المشاهد بسيل من الاستشهاد والاقتباسات والرؤى والأفكار، التي تنهال عليه بترتيب وإيقاع سريع.
8- الآن.. اكتب السيناريو النهائي (Working Script ) : وهو مبني على أساس السيناريو الأولي، ولكن مضاف إليه التقطيع بين (إفادات الضيوف)، وبين الرسوم البيانية، وبين التعليق الصوتي (generation)، وتحدد أمام كل فقرة مكانها في أي الأشرطة وزمانها عبر TC. ولاحظ أين مكان كتابة السيناريو النهائي في هذه الخطوات هو رقم ( ، وللأسف أن بعض الزملاء حين يقوم بإنتاج فيلم وثائقي أو تقرير يكتب السيناريو النهائي في البدايات ، وهذا له نتائج غير مرضية خاصة حينما يشاهده المتلقي، فإنه يحكم على رداءة طريقة عرض الأفكار رغم قيمتها الموضوعية. السيناريو النهائي: يحتاج إلى صفاء ذهن، وحس مرهف، وتركيز عال، لذا أقترح ألا تكتبه إلا في ظل توافر الظروف السابقة.
9- تسجيل التعليق الصوتي في استيديو الصوت :
وهذا التعليق تقرأه أنت إن كانت تتوفر لديك طبقات الصوت المناسبة (للأداء ) الصوتي في التلفزيون، أو تقدمه إلى أحد المذيعين يقرأه، مع أني أفضل أن تقرأه أنت لأن تفاعلك فيه سيكون أكثر، بحكم إنتاجك له خطوة خطوة، وتشربك لأفكاره، وتغلغل قناعتك فيه، وهذا حري أن يجعل تدفق الكلمات من (فيك) أكثر صدقاً وعفوية.
(التعليق الصوتي Voice Over أو Generation) يُسجل في جلسة واحدة، فمن غير المنطقي أن تسجل 10 دقائق لهذا اليوم وتكمل غداً، لأنه يحصل تغير طفيف قد تدركه أذن المشاهد، والأَولى: أن تهيأ نفسك على قراءته بطريقة سلسلة، في جلسة واحدة، والأهم هو ( الأداء Performance ) وليس ( القراءة ) ، لأن الأداء يعني أن تتفاعل مع النص، وتلون في طبقات صوتك، وترسل مع موجات صوتك حرارة (الحميمية) التي تجعل المشاهد يألف صوتك، ويرتاح لك.
10- المونتاج : ويكون أمام المونتير التالي : o السيناريو النهائي.o التعليق الصوتي.
o المواد الفيلمية جميعها.
ويضع المخرج لماسته الفنية على العمل، من توافق الصوت مع الصورة، وحسن اختيار البدائل الصوتية، والمؤثرات الانتقالية، والبنرات التعريفية بأسماء الضيوف وموضوع التقرير، وإخراج شارة البداية والنهاية والتتر، وغيرها من شكليات الصورة التي تضفي جمالاً وبهاءً جنباً إلى جنب مع جمال الأفكار وقوتها وتميزها.
11- رجع الصدى Feed Back:
بعد بث التقرير حاول استقراء ردود المشاهدين، وانطباعاتهم، وخذها بمأخذ الجد، ولا مانع من نسخ التقرير على DVD قبل بثه وتوزيعه على بعض المختصين في الإنتاج التلفزيوني، للاستئناس بآرائهم، واعلم في حال كون العمل متميزاً فإن بعض الحاسدين سيلمزونك ويظهروا لك الابتسامات العريضة التي تخفي ورائها حقداً دفيناً.. وهذا طبيعي جداً.. فلا تصاب بالإحباط.. من ذم الناس لك.. بل امض في طريقك.. وشق لنفسك أسلوباً في الإنتاج..وفق الأصول المهنية .. فالإبداع ليس له حدود.
بصراحة كنت ابحث عن كتب ومقالات في فنون الاخراج والكتابة فوجدت هذه المقالة القيمة التي ارجو ان تكون الفائدة فيها بنسبة كبيرة بس ما اريدكم تنسوني من صالح دعائكم
كيف تنتج تقريراً تلفزيونياً إبداعياً
العين تحب أن تشاهد الأحداث والأفكار كما هي على أرض الواقع، وإذا أغرقنا عينَ المشاهد وعقلَه بالبرامج الحوارية ـ مثلاً ـ دون أن تتخللها تقاريرُ (صدقيةٌ) تؤكد واقعيةَ الحدث.. سيديرُ المشاهدُ مفتاحَ (الريموت كنترول) إلى محطة أخرى، لأننا ببساطة خاطبنا سمعَه، ولم نخاطب عينَه!
(التقاريرُ القصيرة) قالبٌ إنتاجيٌ ذو تأثير بالغ على الملتقي، ويخاطب الجزء اللاواعي عنده، لأنه يمثل مرآةَ الواقع، والمشاهدُ يريد من يطرقُ بابَه، ويسألُ عن أحواله، ويسبرُ أغوارَه، وينقلُ أفكاره، فإذا رأى من ينوبُه على الشاشة، انجذب إليها وفتح كلتا عينيه، لأننا باختصار (خاطبنا عينيه).
(التلفزيون) هو كتلة بصرية هائلة، تتسارع وفق خط دراماتيكي، مبني بتسلسل منطقي، وما نلم نوقن بهذا، ونطبقه في إنتاجنا التلفزيوني؛ فإننا في الحقيقة قد أنتجنا (برامج إذاعية) ! ولو كانت بكاميرات وإضاءة وترددات فضائية! وهذا سر جاذبية التلفزيون، وإن أردتَ أن تقيس نجاح برنامج يؤثر على قناعات الناس ويحركهم إيجاباً؛ فاْطفيء الإنارة في منزلك، ولا تنظر إلى التلفاز بوجهك، بل استدر إلى الجهة المقابلة من التلفاز، وانظر إلى الجدار، فإن رأيت الصور وكثافة الإضاءة تتغير كلَّ بضع ثوانٍ، فاعلم أنه عملٌ قد بُذل من أجله جهد، بغض النظر عن جودة المضمون. أما إن استقر عكس الصورة في الجدار.. عشرات الثواني، بل ربما عدة دقائق.. فلا تَعد إلى مشاهد التلفاز، بل استرخ مباشرة على الأريكة، وأرخِ العنان لجفونك.. كي تنعم بنوم هانئ!
وردني عبر بريدي الإلكتروني رسالة من أحد زملائي في قسم الإعلام، إبان دراستي في مرحلة البكالوريس، ولا يزال هو على مقاعد الدراسة الجامعية، ومع ذلك أبى على نفسه إلا أن يدخل سوق العمل الإعلامي، ويصقل مهاراته مبكراً، وهو الآن في مستهل البدء بالعمل مع مؤسسة إنتاج تلفزيوني ، إنه أخي وصديقي : ( عبد الله السماعيل )، أرسل إلي بهذه الرسالة التي أنقلها إليكم بنصها ثم أورد تعقيبي عليها :
” أخي الغالي/ تركي.سؤالي: الآن قرُب البدء بالعمل _بإذن الله_, فما هي الآلية التي أبدأ بها فور تحديد موضوع الحلقة؟أعني أن التقارير تستلزم _كما تعرف_ سيناريو, فأُريد فكرة بسيطة عن سيناريو التقارير, لأن المؤسسة تُريد عملاً ذا جودة عالية, و “إذا عمل أحدكم عملاً فليتقنه”فإذا كان موضوع الحلقة الأولى عن “المرضى وزيارتهم”, فكيف أصوغ سيناريو التقرير، وللإحاطة فالحلقة فيها ثلاثة تقارير: الأول: للشيخ عندما يخرج مع الشباب الذين بصحبته لزيارة المرضى . والثاني: الذي يتعلق بتفاعل الجمهور. والثالث : استطلاعات رأي.
فأكثر شيء مهتمٌ له هو كيف أكتب سيناريو للتقرير, وما هي الأمور التي تجعل تقريري مميزاً ويؤثر على المتلقين؟ “
ويمكنني الإجابة عن تساؤلات الأخ عبد الله ضمن النقاط التالية /
1- أول شيء أنصح به كل من يدخل عالم ( التلفزيون ) هو : الرغبة، لا بد أن تحب هذا العمل الذي ستقوم به، وليس هو تكليفاً من مدير الإنتاج، أو مشرف البرنامج، لا بد أن تكون مقتنع تماماً بالفكرة، ومضمونها، وأبعادها، وهنا محك الإبداع، فطالما أن الفكرة تروق لك كثيراً، وتتراءى لك صباح مساء، وتستهويك القراءة فيها والكتابة لأجلها، عندها أقول لك : ستهون أمامك كل الصعاب والعقبات، بمجرد أن تبدأ في العمل، ولهذا فقد وجدتُ أن من ينتج الأفلام الوثائقية وفق نظام ( القطعة) بالاتفاق مع مؤسسة إنتاج ـ مثلاً ـ أكثر إغراقاً في تفاصيل إتقان العمل من الذي يُكلف بالفيلم من قِبل مديره المباشر في محطة تلفزيونية.
2- بعد تحديدك للفكرة.. خذ ورقة وقلم ، وقم بعصف ذهني عميق، اكتب الفكرة في وسط الورقة، ثم ارسم التشعبات الرئيسة للأفكار المنبثقة من ذات الفكرة، ثم زد في هذه التشعبات إلى أن تصل إلى أفكار ثانوية أكثر تخصصاً، وبعد ذلك تأمل فيها قليلاً ، واسأل نفسك : ” ما البداية غير الاعتيادية التي سأبدأ بها ؟ ” وفتش في ورقتك هذه عن فكرة تناسب أن تستهل بها، واشطب على بقية الأفكار التي لا ترى ضرورتها،حتى تصفو لك زبدة الأفكار من موضوعك الرئيسي الذي ستطرحه في التقرير.
3- الآن تشكلت معالم الفكرة بين يديك ، فخذ ورقة أخرى وابدأ بكتابة الأفكار النهائية على شكل محاور وأسئلة، فالمحور : يصفُ نطاق المعلومة وحيثياتها، والأسئلةُ تنضوي تحت المحاور لتعطيك محفزاً في البحث عن إجابات محددة، وهذا الأسلوب العلمي متبع في مقدمات الرسائل الجامعية وهو ما يسمى بـ ( تساؤلات الدراسة) ، وهدفه : أن يفيدك في طرح أسئلة دقيقة على ضيوفك في التقرير، فتتجنب الحشو الزائد الذي لا طائل من وراءه.
4- وبعد أن كتبت المحاور والأسئلة.. تأتي الآن: مرحلة البحث عن المعلومات والضيوف، ربما يكون البحث عن المعلومات في هذه المرحلة أكثر تحديداً، أي أنك تبحث عن المعلومات ضمن المحاور والأسئلة، فتبحث في مواقع (النت) عن الأبحاث التي تطرقت لموضوعك، وتلخصها على هيئة نقاط، ثم تذهب لأحدى المكتبات العامة، وتبحث في فهرس المكتبة عن طريق الحاسب عن مفردات موضوعك، وتقرأ في الكتب المعنية، ثم تصور بعض الوريقات التي تحتاجها، أو دوّنها مباشرة في مذكراتك، حاول أن تتصل بأساتذة جامعات أو مختصين أو مثقفين تسألهم عن المهتمين في جانب موضوعك، حينها تكون قد كونت ثروة معلوماتية تغذي تقريرك، بالإضافة أنك حددت ضيوفك ذوي الاهتمامات في حقل المعرفة الذي أنت بصدد إنتاج تقرير عنه.
5- قم بكتابة هذه الأفكار والمحاور والأسئلة وأسماء ضيوفك والمواقع التي ستصور فيها في سيناريو أولى Script))، فائدته : أنه ينظم تدفق إنتاج التقرير عبر مراحل متسلسلة توفر الوقت والجهد وبجودة عالية، فمثلاً لديك 5 ضيوف، كل واحد في طرف من مدينتك، يمكنك الاتصال بهم والاتفاق على التصوير في فندق ـ مثلاً ـ وتواعدهم في أوقات متقاربة، فالأول : 4 عصراً، والثاني : 4:30 والثالث: 5، والرابع : 5:30، والخامس : 6مساءاً.
وفي هذا السيناريو الأولي : تقوم بترتيب تسلسل التقرير من (الثانية الأولى) إلى تمام (الدقيقة الثالثة)، وبالمناسبة : فقد وجدتُ أن أكثر التقارير احترافية هي تلك التي يكون زمنها: ( 3) دقائق فقط! وتُعد BBC رائدة في هذه المدرسة، فمن أراد الاستفادة فليتابع تقاريرها على BBC عربية عن طريق النت أو الأقمار.
فترتيبك لمدخل التقرير ووسطه ونهايته مهم للغاية، إذ أن الهدف إمتاع وإفادة المشاهد، ولو كان موضوع التقرير محزناً، فإن طريقة إخراجه والمؤثرات البصرية والسمعية كفيلة بجعله جذاباً، وكلما كان التقرير أقرب إلى ( الحكاية) كان أقرب إلى المتابعة، لأن النفوس مجبولة على حب السرد القصصي، وتود أن تعرف النهاية، فإن أنت صغتَ تقريرك بقالب قصصي، ونسجت خيوطه بـ(حبكة)، وجعلتها تتفاعل إلى أن تصل إلى ( الذروة)، ثم حللت خيوط العقدة، لتظهر النتيجة.. إن أنت فعلت هذا فصدقني أن تقاريرك ستترك أثراً في أذهان الناس كما يترك (الحبل) أثراً على حافة البئر لكثرة رفع الدلاء!
6- الآن .. ابدأ بالتنفيذ.. هيا: ” 5..4..3..2..ابدأ” قم بالتصوير، واحرص على تكوين (كادر) إبداعي، يتناسب مع موضوعك، فالفرح له ألوانه،والحزن له ألوانه، والموضوعات السياسية لها كادرها المناسب وهكذا، والمقصود بالكادر الإبداعي : هو ما تراه على شاشة الـMONITOR الخارجة من الكاميرا، لا ما تراه عن طريق عينك المجردة، وهذا مهم ، لأن العين لها مدى أوسع من الشاشة، والمشاهد لا يرانا إلا في حدود الشاشة، لذا نحن نتكفل بتجميل وتهيئة ما يدخل ضمن حدودها، وما عداه فلا يراه المشاهد.
يعجبني بعض من يخرجون التقارير ممن يجعلون (كادراتهم) هادئة، وبسيطة، ويضيفون لمسات في الإضاءة، تجعل الصورة في غاية الروعة، ثم أجد أن الكادرات الإبداعية لا تخلوا في العادة من Depth (العمق)، وهو فرق المسافة بين Foreground و Background فإذا أردت أن تصور لقاء مع ضيفك فلا تجعل خلفه الجدار (Flat) بل حاول أن تُعدّل في الـLocation وتقدم وتؤخر ليظهر عند عمق في الكادر، حينها سترى شيئاً رائعاً .
7- بعد التصوير تأتي مرحلة ( التفريغ) ، طبعاً .. إلى هنا تكون قد صورت وجمعت التالي / § مقابلات الضيوف.§ فقرات ربط للمذيع.
§ انسرتات عامة ( لها ارتباط بالموضوع).
§ Material ومواد إرشيفية من المكتبة الفيلمية في القناة أو لدى شركة إنتاج.
§ Graphics رسومات بيانية وإحصاءات وأرقام.
الآن اجتمعت عندك هذه الأشرطة والمواد، قم بتفريغها وفق الـ Time Code ، فتأخذ أشرطة تصوير اللقاءات ـ وإخواننا المخرجين المصريين يسمونها (شرايط) ! ـ تأخذ هذه الأشرطة وتركبها الواحد تلو الآخر في ماكينة VTR وتشاهد اللقاء كاملاً، وتفرغ كلام الضيف، مثلاً :
- د. فلان الفلاني أستاذ الدراسات الاجتماعية : السؤال الثالث: 00:22:34:24 : قال : ” يجب على المؤسسات التربوية أن تمد جسور التواصل مع الآباء لحل مشكلات الأبناء الأخلاقية.”
فالرقم أعلاه هو Time Code واختصاره TC : يعني من اليسار إلى اليمين : الخانة الأولى 00 الساعات، الخانة الثانية :22 الدقائق، الخانة الثالثة : 34 الثواني، الخانة الرابعة : 24 الفريمات (Frames ) . وكل ثانية تحوي ( 25 ) فريم Frame .
التفريغ هذا لكل المواد التي بين يديك ، وسيأخذ وقت ولكنه مهم جداً، وفائدته : أنه يساعد في تركيب المقاطع وفق تسلسل منطقي ، وترابط متين بين الأفكار، ليقنع المشاهد بسيل من الاستشهاد والاقتباسات والرؤى والأفكار، التي تنهال عليه بترتيب وإيقاع سريع.
8- الآن.. اكتب السيناريو النهائي (Working Script ) : وهو مبني على أساس السيناريو الأولي، ولكن مضاف إليه التقطيع بين (إفادات الضيوف)، وبين الرسوم البيانية، وبين التعليق الصوتي (generation)، وتحدد أمام كل فقرة مكانها في أي الأشرطة وزمانها عبر TC. ولاحظ أين مكان كتابة السيناريو النهائي في هذه الخطوات هو رقم ( ، وللأسف أن بعض الزملاء حين يقوم بإنتاج فيلم وثائقي أو تقرير يكتب السيناريو النهائي في البدايات ، وهذا له نتائج غير مرضية خاصة حينما يشاهده المتلقي، فإنه يحكم على رداءة طريقة عرض الأفكار رغم قيمتها الموضوعية. السيناريو النهائي: يحتاج إلى صفاء ذهن، وحس مرهف، وتركيز عال، لذا أقترح ألا تكتبه إلا في ظل توافر الظروف السابقة.
9- تسجيل التعليق الصوتي في استيديو الصوت :
وهذا التعليق تقرأه أنت إن كانت تتوفر لديك طبقات الصوت المناسبة (للأداء ) الصوتي في التلفزيون، أو تقدمه إلى أحد المذيعين يقرأه، مع أني أفضل أن تقرأه أنت لأن تفاعلك فيه سيكون أكثر، بحكم إنتاجك له خطوة خطوة، وتشربك لأفكاره، وتغلغل قناعتك فيه، وهذا حري أن يجعل تدفق الكلمات من (فيك) أكثر صدقاً وعفوية.
(التعليق الصوتي Voice Over أو Generation) يُسجل في جلسة واحدة، فمن غير المنطقي أن تسجل 10 دقائق لهذا اليوم وتكمل غداً، لأنه يحصل تغير طفيف قد تدركه أذن المشاهد، والأَولى: أن تهيأ نفسك على قراءته بطريقة سلسلة، في جلسة واحدة، والأهم هو ( الأداء Performance ) وليس ( القراءة ) ، لأن الأداء يعني أن تتفاعل مع النص، وتلون في طبقات صوتك، وترسل مع موجات صوتك حرارة (الحميمية) التي تجعل المشاهد يألف صوتك، ويرتاح لك.
10- المونتاج : ويكون أمام المونتير التالي : o السيناريو النهائي.o التعليق الصوتي.
o المواد الفيلمية جميعها.
ويضع المخرج لماسته الفنية على العمل، من توافق الصوت مع الصورة، وحسن اختيار البدائل الصوتية، والمؤثرات الانتقالية، والبنرات التعريفية بأسماء الضيوف وموضوع التقرير، وإخراج شارة البداية والنهاية والتتر، وغيرها من شكليات الصورة التي تضفي جمالاً وبهاءً جنباً إلى جنب مع جمال الأفكار وقوتها وتميزها.
11- رجع الصدى Feed Back:
بعد بث التقرير حاول استقراء ردود المشاهدين، وانطباعاتهم، وخذها بمأخذ الجد، ولا مانع من نسخ التقرير على DVD قبل بثه وتوزيعه على بعض المختصين في الإنتاج التلفزيوني، للاستئناس بآرائهم، واعلم في حال كون العمل متميزاً فإن بعض الحاسدين سيلمزونك ويظهروا لك الابتسامات العريضة التي تخفي ورائها حقداً دفيناً.. وهذا طبيعي جداً.. فلا تصاب بالإحباط.. من ذم الناس لك.. بل امض في طريقك.. وشق لنفسك أسلوباً في الإنتاج..وفق الأصول المهنية .. فالإبداع ليس له حدود.