دراسة تاريخية للموسيقا في بلاد الرافدين
يعيد العالم (هــ . م . ميللر) نشأة الموسيقا إلى مصادر بدائية كقرع الطبول ، والنداء المنغم ، ومن ثم الترنيمات التي تصاحب حركة عمل الإنسان ، ومنابع انفعالاته وإحساسه الفكري .
وأرى أنها شاركته في أداء طقوسه التي يمثل الغناء فيها ركنا جوهرياً منذ قرابة العام 3000 ق. م ، فنحن نجد موسيقيين سومريين يقودون فرقاً للإنشاد في معبد (ننجرسو) الكبير وغيره . ولم يستعمل السومريون الموسيقا في الطقوس الدينية فحسب ، بل في مختلف الاحتفالات وفي رقصات المناسبات، فثمة نقوش ومشاهد كثيرة تصورالرعاة وهم ينفخون في المزمار ويعزفون في الطنبور ومن حولهم قطعانهم وكلابهم هادئة مصغية .. إذاً لم يبق الفن الموسيقي السامي مرتبطا ً بالمعبد والطقوس الدينية مثله مثل بقية الفنون والآداب السامية كما يحاول سدنة نظرية المركزية الأوربية أن يوهمونا ليعزوا الفضل لأجدادهم ( الحاميين ) في نشأة الفنون الإنسانية وآدابها .
وخير دليل على تطور فن الموسيقا في بلاد الرافدين قبل الإغريق هو ملحمة موسيقية آشورية ؛ ألا وهي :
حرائـــــــق نينـــــــــــــوى
وهي ملحمة سيمفونية آشورية ترجع إلى القرن السابع قبل الميلاد عثر عليها مدونة على رقم طينية بين خرائب نينوى . تتكون من أربع مقاطع ؛ يصف المقطع الأول منها عظمة الإمبراطورية الآشورية ، ويستعرض جيشها النظامي ؛ أما المقطع الثاني فهو يرمز يرمز إلى تآمر وتكالب قوى الأعداء لإضعاف هذه الإمبراطورية ، ويستعرض المقطع الثالث المعارك الطاحنة التي دارت رحاها بين الجيش الآشوري ، و جيوش الأعداء المتحالفة ؛ أما المقطع الرابع فيجسد الدمار والخراب، ويغلب عليه طابع الحزن والأسى لما حل بنينوى من حرائق . وبالرغم من أن هذه الملحمة هي أقدم ملحمة موسيقية معروفة حتى اليوم إلا أنها ليست الأولى في بلاد الرافدين بالتأكيد ، فثمة دلائل تشير إلى أن الموسيقا كانت قد ازدهرت قبل كتابة هذه الملحمة بمئات السنين ، وأهم تلك الدلائل هي تنوع الآلات الموسيقية وكثرتها ،ووجود الفرق الموسيقية في تلك الفترة " تضم الفرقة الموسيقية سبعة عازفين على القيثارة الرأسية وعازفاً واحداً على القيثارة الأفقية ومجموعتين من عازفي المزامير المزدوجة المختلفة وعازف طبلة صغير وبعض الأفراد المصفقين ".. مما يدل على التطور والرقي في ممارسة هذا الفن، ويمكننا أن نصنف الآلات الموسيقية في بلاد الرافدين إلى ثلاثة أقسام رئيسة :
آلات وترية : .............................
اخترع سكان بلاد ما بين النهرين الآلات الوترية وتفننوا بتنويعها ؛ منها :
- العود: أقدم أثر له وجد في خفاجي في أواخر الألف الثالثة قبل الميلاد . أخذه عن الأكاديين شعوب شرقية كثيرة وما تزال تستخدمه حتى اليوم ، وكان العود يستعمل في مناسبات عديدة . يذكر كتاب العهد القديم أن مخترعه هو " يوبال بن لامك" . تمتاز العيدان الأولى المصورة في النقوش التي ترجع إلى 2350 ? 2150 ق. م بصغر صندوقها وطول رقبتها.. ويرجح ( زاكس) أنها مشتقة من القوس الموسيقي السومري "القيثارة" ؛ ويشتمل العود على عدد من الأوتار المشدودة على صندوق رنان مثل الكنارة ترتبط بالعنق من فوق . وتعفق الأوتار بأصابع اليد الواحدة لكي تعطي النغم فيما تغمز اليد الأخرى فوق الصندوق الصوتي . وتبدو عازفات القيثارة في تصاويرهن وقورات يغطين أجسادهن من العنق حتى القدم . أما عازفو العود فيبدون في بعض الأحيان عراة ملتحين أو بتصفيفات شعر مجدولة بصحبة بعض الحيوانات. وقد كانت الأعواد خفيفة سهلة الحمل . ويختلف عدد أوتار العود بين نوع وآخر (4, 7, 8, ،11,10) وترا ً.
- الكنـــارة: إحدى أقدم آلات الطرب ولا تختلف عن القيثارة إلا القليل ، بل غالبا ما يطلق الموسيقيون الاسم نفسه على الآلتين معا. والكلمة في العهد القديم تعني القيثارة. وقد اكتشفت في المقبرة الملكية في (أور) وهي من اختراع السومريين وتتكون من صندوق صوتي ذي إطار غير منتظم الأضلاع يتراوح عدد أوتارها ما بين ثمانية وأحد عشر وترا مصنوعة من أمعاء الثور. أما المادة التي صنعت منها الكنارات والقيثارات السومرية فقد سميت ضمن نشيد سومري يروي كيف هبطت إنانا إلى العالم السفلي:
(يا والد إنانا لا تدع ابنتك تموت في العالم السفلي .. ولا تدع معدنك النفيس يكسوه التراب في العالم السفلي .. لا تدع لازاوردك الجميل يقع تحت ضربات أزميل البناء . ولا تدع مالك من خشب البقس النادر يقع تحت رحمة عدة النجار. لا تدع إنانا الفتية تنتهي إلى الموت في العالم السفلي). ويقال : إن هذه الكلمات كانت تشير إلى الكنارة نفسها تلك الآلة الموسيقية التي كانت تصاحب ترتيل هذه القصص . يذكر بولس الرسول في رسالته إلى أهل قورنثيه يقول: (... بل الجمادات التي تصوت مزمارا كانت أو كنارة إن لم تبد فرقا بين الأصوات فكيف يعرف ما زمر أو عزف به) . ولم يهمل سفرالرؤيا بدوره ذكر الكنارة حيث يقول: (وسمعت صوتا كصوت مياه غزيرة وكصوت رعد عاصف، والصوت الذي سمعته هو صوت عازفين يعزفون بكناراتهم) .
- أنواع القيثارة:
هناك نوعان مهمان للقيثارة في بلاد ما بين النهرين ؛ وهي القيثارة السومرية ، والبابلية - الكلدانية بأشكال متعددة " المنحنية ، والمثلثة ... " .
القيثارة البابلية - الكلدانية : تعتبر القيثارة احدى أقدم آلات النغم الموسيقية (الوترية) اشتهرت منذ القدم لدى شعوب كثيرة وقد استعملها سكان بلاد ما بين النهرين قبل غيرهم . عثر على أكثر من قيثارة في بابل وفي أور الكلدانيتين وفي بلاد آشور، واقتبسها عنهم سائر الشعوب كبقية الآلات الموسيقية القديمة العهد. وما تزال المتاحف الكبرى تحتفظ بنماذج من هذه القيثارات كالمتحف البريطاني ومتحف اللوفر ومتحف شيكاغو وفيلادلفيا وغيرها... وهي (أي القيثارة) مطعمة بالصدف والذهب وصندوقها الرنان مصنوع من الخشب المصقول والموشح بأحجار كريمة والفسيفساء من لازورد وصدف، كما أنها مزينة برأس ثور ذي لحية من ذهب ، وعيناه مرصعتان باللؤلؤ واللازورد سميت بالقيثارة البابلية - الكلدانية لأن أقدم أثر للآلات الموسيقية من نوع القيثارة وجد في ( تلو) في جنوبي بابل ، ثم في أور الكلدانيين ؛ أما رأس الثور الذي نجده في مقدمة هذه القيثارات فأنه يرمز إلى القوة والخصوبة . إذ كان السومريون ، منذ الألف السابع ق . م ، يتخذون من الثور رمزا للإله (آبو) القوي إله الخصوبة والنبات.
- القيثارة المنحنية / السومرية : وتتشكل من قوس يشبه نصف دائرة يصل بين طرفيه ضلع مستقيم لها أوتار رأسيه اشتقت صورتها عن القوس الموسيقية القديمة،واتخذت الوصف نفسه عند العزف . ونجد نموذجا من القيثارة المنحنية " الرأسية الأوتار " في متحف شيكاغو يعود إلى عام 2700 ق.م وآخر بمتحف جامعة فيلادلفيا. كما نجد نقشين آخرين للقيثارة المنحنية " الأفقية الأوتار " في متحف اللوفر يعود الأول إلى سنة 3000 ق.م, والثاني إلى سنة 2000 ق.م ، وأخرى مشابهة مطعمة بالأصداف محفوظة في المتحف البريطاني . ويعتقد العالم الموسيقي (زاكس) أن مسّ كل عازف لوترين مختلفين من الأوتار التي يمسها الآخرون لم يأت عفوا في رسم يتميز بالواقعية لذلك كان اختيار الأوتار الخامس والثامن والعاشر والخامس عشر والثامن عشر للعزف نتيجة ضبطها وفق السلم الموسيقي الخماسي الأنغام . وقد اختفت هذه القيثارة بدءا ً من العام 2000 ق.م لتحل مكانها القيثارة المثلثة .
- القيثارة المثلثة : وتتكون من ثلاثة أضلاع ؛ الضلعان الرئيسان يحلان محل القوس المنحني يضمان بينهما زاوية عند استدارة القوس ، ثم الضلع الثالث الرأسي الذي يصل بين طرفي الضلعين الرئيسين ، وتثبت الأوتار في كلا النوعين رأسية أو أفقية ، ويعزف عليها بمسها بالأصابع أو بريشة الغمز . ويبدو أن ريشة الغمز كانت تستعمل مع الأوتار الأفقية لسهولة تحريكها باليد من أعلى إلى أسفل أو من أسفل إلى أعلى . وكانت الأنغام الموسيقية تُؤدّى في أثناء طقوس القرابين بوساطة أزواج من القيثارات الأفقية كما ورد في سفر المزامير (فادخل إلى مذبح الله إلى إله فرحي وابتهاجي واعترف بالقيثارة لك يا الله إلهي) .
الآلات الإيقاعية : .......................
كانت الآلات الذاتية الصوت تستعمل كثيرا في بلاد ما بين النهرين ؛ منها:
- العصي الإيقاعية: وتتكون من عصاتين عريضتين ملويتين بإمكان المرء أن يمسكها بين يديه ، فيضرب الواحدة بالأخرى فترسل تصفيقا إيقاعيا .
- المصفقات: وهي عبارة عن قطعتين على هيئة قدمي رجل تقرع الواحدة بالأخرى فتخرج صوتا موسيقيا . كما يشاهد في خاتم من (أور) محفوظ في متحف جامعة فيلادلفيا يعود تاريخه إلى عام 2600 ق . م. نقشت عليه صورة حيوان صغير يقوم باستعمالها.
- الشخاليل: وهي على هيئة صنجة صغيرة مرتبطة بآلة معدنية تعطي صوتا عند هزها من مقبضها.
- الأجراس الصغيرة: كانت الراقصات يعلقنها في عنقهن لضبط الإيقاع كما أنها كانت تستعمل في المناسبات والطقوس الدينية أيضا.
- الصنوج: والصنوج نوعان : صنوج التصويت وصنوج الهاتف؛ فالنوع الأول : هو عبارة عن قطع صغيرة مستديرة من النحاس تستعملها الراقصات ، والنوع الثاني: هو من الصنوج المعهودة وهي صفيحتان مستديرتان من النحاس تستعمل في الطقوس الدينية والاحتفالات .
- الصلاصل: وردت مصورة على قطعة مطعمة بالصدف من (أور) قرابة 2500 ق. م وهي آلة معدنية شبيهة بملقط يحمل في ساقيه نوعا من الصنوج المتحركة تخرج صوتا موسيقيا إيقاعيا عند اهتزاز الآلة وارتطام الصنوج بعضها ببعض.
- الجلاجل: وهي عبارة عن تماثيل على شكل دمى صغيرة من الفخار المجفف كانت تملأ بالحصى بغية هدهدة الأطفال وملاطفتهم ، وكانت تصنع من الذهب أيضا وتعلق على أذيال رداء رئيس الكهنة عند دخوله قدس الأقداس وخروجه منه لتعطي صوتا موسيقيا.
آلات ذاتية الصوت: ........................
- الدف: آلة طرب يطلق عليه اسم (طبل اليد) وهو عبارة عن قطعة من الجلد الرقيق مشدود إلى إطار من الخشب شدا محكما قويا بحيث إذا ما اتقن توقيع ضرب اليد عليه, على نغم خاص أعطى صوتا موسيقيا وكثيرا ما تعلق في أطراف الإطار الخشبي أجراس صغيرة زيادة في الإيقاع . وكان الدف يستعمل كثيرا في الحفلات فتقوم النساء بالضرب عليه مصطحبات به الغناء فيرقص الراقصون على أنغامه وكانت تستخدمه المحترفات والماهرات من كاهنات المعابد في بلاد ما بين النهرين. ويستعمل الدف مع غيره من الالات الموسيقية لمرافقة الجوقات في ترانيمها. (ثم أخذت مريم النبية أخت هارون الدف في يدها وخرجت النساء كلهن وراءها بدفوف ورقص).
- الطبل: كان السومريون يستعملون أنواعا مختلفة من الطبول بأشكال وهيئات وأحجام متعددة متفاوتة . يعدد العالم الموسيقي(زاكس) اثني عشر نوعا من الطبول وذلك لوجود اثني عشر اسماً لها في اللغة السومرية. نجد في متحف اللوفر (طبلة) يعود تاريخها إلى سنة 2400 ق.م وأخرى في متحف استنبول ترجع إلى عام 2900 ق.م ثمَّ تنوعت الطبول فيما بعد في النقوش البابلية - الكلدانية والآشورية بين كبيرة ، وصغيرة تمسك باليد ، أو تحمل رأسية ، أو أفقية معلقة بحزام يلتف حول وسط العازف.
الآلات المنغمة : ............................
ترك لنا الفن في بلاد ما بين النهرين شهادات مهمة بشكل أشعار ملحمية كملحمة جلجامش. أو بشكل أناشيد تمجد الآلهة والملوك العظام مرفقة بأنغام بعض آلات النفخ الموسيقية المصنوعة من الأنابيب كالمصفار، والبوق، والنفير.
- المصفار / الناي : استعمل السومريون الناي ، واسمه بالسومرية (جي - جيد) أي القصبة خلال الألف الثالثة ق. م ، كما ورد منقوشا على أحد أختام الملك السومري (جوديا) ، ومن المؤكد أن الصينيين والمصريين قد أخذوه عن السومريين فقد استعملوه في تلك الفترة باسمه السومري ، بينما كان الإغريق / الحاميون " كالأطرش في الزفة " .
كان (انلوليم) راعي المعز يشترك في طقوس الإله ننجرسو ويعزف على المصفار ليدخل السرور على أهل بلاد (اينينو).وقد استعمل شعب بلاد ما بين النهرين المزمار المزدوج ذا الانبوبتين المتصلتين .. كالمزمار المزدوج المصنوع من الفضة والمحفوظ بمتحف جامعة فيلادلفيا الذي اكتشف في مقبرة (أور) ويرجع تاريخه إلى عام 2500 ق.م ويحمل هذا المزمار في كل أنبوبة من الأنبوبتين أربعة ثقوب .
- القرن/ البوق : عُثر على أقدم أثر يدل عليه في مملكة ماري وهو تمثال من الحجر لرجلين متجاورين وبيد كل منهما قرن ويعود هذا التمثال إلى القرن الرابع والعشرين قبل الميلاد . ونجد للبوق نوعين ؛ الأول : ذو انبوبة مستقيمة ، والثاني: له انبوبة منحنية . وتذكر الوثائق أن من بين الهدايا التي قدمها الملك (توشرانا) إلى (امنحتب) الرابع ملك مصر حوالي عام 1400 ق.م أربعين بوقا مغشاة بالذهب وبعضها موشى بالأحجار الكريمة ؛ منها سبعة عشر بوقا مصنوعة من قرون الثيران.
- النفير: نجد آلات النفير في نقوش آشورية 2400 ق.م تمثل عملية نقل تمثال (الثور المجنح) حيث يقف جنود في أعلى التمثال وهم يعزفون بالنفير. والظاهر بأن عملية النفخ بالنفير كانت صعبة مثل عملية نقل التمثال .
مكانة الموسيقا والموسيقيين
في بلاد الرافدين
كان تعليم الموسيقى إلزاميا في معظم مدارس سومر وبابل . ويعدّ كلّ تلميذ يرفض هذا التعليم متخلفا . وقد ورد في خطاب لشمش أداد (1803 ? 1781 ق.م) إلى ابنه يقترح إرسال بنات (ياهدون - ليم) إلى القصر في ( شوباط ? انليل) كي يتعلمن الغناء ، وكان الرقص أيضاً يحتل بدوره مكانة كبيرة في الحفلات الموسيقية في تلك العصور السحيقة حيث نجد نقوشا عديدة اكتشفت مؤخرا ترتقي إلى عام 3000 ق.م وتبرز مجموعات من النساء في زي راقصات . كما نشأت فئة من المغنيين والعازفين المحترفين وطورت الآلات الموسيقية وفنون الغناء والرقص على إيقاعها . وفي مجتمعات العصر البرونزي ساد غناء الأساطير التقليدية للآلهة والأبطال والملاحم يصاحبه العزف على الآلات الوترية ، وقد اهتم الآشوريون في عصورهم المبكرة بالموسيقا خاصة في عصر فجر السلالات بدلالة الآلات الموسيقية المختلفة التي عثر عليها المنقبون ، وكذلك تكرار مشاهد الطرب والرقص على كثير من الأختام الأسطوانية التي تعود لهذه الفترة. وقد أدرك الآشوريون ما كان للموسيقا من أثر في معنويات المقاتلين ، لذا استخدموها في إثارة الحماس في نفوس الجنود أثناء المسيرة وإبان حلهم في المعسكرات في بلادهم . ويُعتقد أن الآشوريين هم أول من شكلوا الفرق الموسيقية العسكرية التي تضم مجموعة من العازفين على الآلات، في حين كانت الموسيقا ، قبل ذلك ، مقتصرة على الحفلات الغنائية والرقص . وكثيرا ما نشاهد أيضا صورا تنكرية لرجال يشتركون في العزف أثناء الاحتفال بالانتصارات التي حققها آشور ناصر بال (1050 - 1032) قبل الميلاد وتغلت بلاصر الثالث (744 - 727) قبل الميلاد, وآشور بانبيال (668 - 626) قبل الميلاد.ومن المحتمل أن هذه الصور كانت على شكل ملابس تنكرية، وقد صور في احداها جندي مع شخص آخر يرتدي كل منهما قبعة ذات ريش في حفل بمناسبة دخول آشور بانبيال مدينة ( مليكا) وكانت الموسيقا تصاحب سير الحوادث وأنباء الحملات العسكرية عند عودة الملك منتصرا حيث تجري احتفالات بهذه المناسبة في العاصمة الآشورية يحضرها الملك بنفسه ، ويتضح من كل ذلك أن الآشوريين قد جندوا الموسيقا في خدمة أغراضهم العسكرية شأنها في ذلك شأن أي مرفق آخر في حياتهم ويعرف نافخ المزمار عند الآشوريين بـ (زمارو)، أما العازف على القيثارة أي المغني فيسمى (نارو) ، ويسمى كبير الموسيقيين بـ (رب زماري).
السلم الموسيقي والأصل الرافدي
تنسب صياغة السلم الموسيقي إلى العالم الإغريقي فيثاغورس ، لكنها في الحقيقة من إبداع السومريين ، فقد كان فيثاغورس طالباً جال العديد من بلدان المشرق وأخذ عنهم ما أخذ ومن جملة ما أخذ صياغة السلم الموسيقي . يقول العالم الموسيقي برودوان بريفورت : إن اليونانيين القدماء اخذوا السلم الموسيقي الطبيعي " الماجور" من موسيقا الشرق وهذا السلم لم يكتشفه الأوربيون . فلقد عثر على وثيقة في العراق عام1962 تثبت اكتشاف نظرية المثلث القائم قبل وجود فيثاغورس بـ 500 عام واكتشفت هذه الوثيقة في تل حرمل قرب بغداد. يقول فارمر: " ان الموسيقا العربية هي من أصل سامي وقد أثرت تأثيرا قويا في الموسيقا اليونانية " . وقد اكتشف السلم السباعي العالم الأثري لينارد وولي عام1927 على قيثارة سومر التي يعود تاريخها الى القرن 25 قبل الميلاد، وبالاعتماد عليها أمكن إثبات أبعاد السلم السباعي وتؤكد ذلك المنظومات التي اكتشفت محفورة على الآجر في خرائب أور ونينوى ، وكذلك اكتشف العلماء هذا السلم السباعي الأكدي الذي يعود أصله الى السومريين واستطاع موسيقيون في جامعة واشنطن أن يكشفوا الستار عن ألحان هذا السلم وأسمائه السبعة من اللغة الأكدية . كما إنهم سجلوا شريطا وعزفوا ألحانه السبعة، وأكدوا أن أسماء المقامات شرقية مأخوذة من القيثارة السومرية .
وقد قلنا سابقا ًاستنادا الى الأكتشافات الأثرية : إن القيثارة السومرية هي أول آلة موسيقية وترية معتمدة في العالم .. مما يؤكد أن صياغة السلم الموسيقي تعود إلى السومريين . وقد تحدّث الأستاذ جبران أسعد( جبران مقدسي صومي) في كتابه "الموسيقى السورية عبر التاريخ" عن اكتشاف المدرج الموسيقي المغمور من ألحان الكنيسة السريانية الأنطاكية.. وعن حفظه وتدريسه لقسط كبير من هذه الألحان السريانية بشكل موضوعي مخضعا هذه الألحان للدرس والتدقيق . . كما أكد أن الموسيقا السريانية التي غزت العالم مصدرها الشعب السومري . لقد وضع السلم الموسيقي التاريخي من الألحان الثمانية التي تستعمل في الكنيسة السريانية حيث انبثقت منها جميع الألحان الموجودة في العالم حيث قدّرها الفيلسوف العظيم الفارابي بـ 3000 لحنا. وتبنى الألحان في الكنيسة السريانية على القيثارة السومرية الخالدة ذات الأوتار السبعة " أما الوتر الثامن فهو ذو صوت حادّ جوابا للوتر الأول حيث يبدأ أوكتافا جديدا أي ديوانا آخر" فيبدأ اللحن الأول على الوتر الأول وهكذا الى الوتر الإضافي . يقول ابن العبري في كتابه الايثيقيون : ان المقامات الأساسية كانت 12 مقاما ثم اختصرت الى 8 مقامات وحسب القيثارة السومرية بعد إهمال المقامات الأربعة الأولى لعدم توافقها مع غاية العبادة . وتجدر الإشارة الى أن القيثارة السومرية تبدأ من قرار الصول الى درجة فا . وقد تم تحوير أسماء المقامات الثمانية من اللغة الآرامية الى اللغة العربية كما يلي :
- BAYA المقام الأول البيات : وهو مقام البياتي في اللغة العربية، وكلمة بيات مشتقة من الفعل بات التي تعني فيما تعني أدركه الليل أو نزل ليلا .. وهي لا تعطي بهذا المعنى صفة موسيقية فنية ، ولكنها محرفة عن السريانية "بيا" التي تعني عزّى ، سلّى وهذا المعنى يعطيها صفة موسيقية واضحة.
- HAWSONE المقام الثاني الحسيني: والكلمة مشتقة من الحسن والجمال ولاتعطي دلالة موسيقية كما في السريانية حيث تعني الترفق .. ولهذا المعنى دلالات موسيقية تنسجم مع هذا المقام.
- UR-Ak المقام الثالث العراق : وإسمه جاء من مدينة في العراق قد تكون الوركاء - اور عاصمة السومريين والأكديين.
- RAZD المقام الرابع الرصد: وهو بالعربية الرست حيث يعتبر المقام الرئيسي الأول وتعني المستقيم ، وليس لهذا المعنى صلة بالمقام المستقيم وهذا لايعطيه صفة موسيقية ، أما بالآرامية فتعني أدرج ، قرر، ثبت، أصلح.
- UGOالمقام الخامس أوج: بالعربية "أوج أي الأعلى" أما معناه باللغة التركية فهو الرأس الحاد، أما في السريانية فهو الميس، الزهور، الريحان ،الخمرة ، والمعنى هنا اكثر انسجاما مع طبيعة هذا المقام.
- AGAM المقام السادس العجم: ويلفظ بالعربية عجم.. ويعني الغريب، الغشيم، وقد طغى معناه التركي حتى في العربية حيث يعني بلاد فارس . أما في اللغة الآرامية القديمة فمعناه رجوع ، هبوط ، تفريغ، وهو أقرب الى نوعية هذا المقام ؛ فهذا المقام يبدأ من مركزه الأعلى ثم يتفرّع رويدا رويدا الى قراره ، فيتضح لنا معناه الارامي موسيقيا. وكانت هذه الطريقة في الأداء الصفة المميزة لغناء إبراهيم الموصللي.
- SBA المقام السابع الصبا: وتعني باللغة العربية النسيم الشمالي وفي الآرامية تعني فرح، سرور،أراد، شاء، صفاء. وهذا المقام مفضل عند السريان خاصة في مراسيم موت الشهداء أو الكهنة لكونه حزينا ذا خاصية مميزة.
- HAJO المقام الثامن الحجاز: وهو اسم السعودية قديما . حيث كانت تعرف باسم"حج HAJ " وقد أضيف حرف الزاي الى الكلمة خلال الحكم العثماني ، وقد انتقل هذا المقام من الآراميين الى الحجاز ، فأعجب به المسلمون، وجعلوا الأذان معتمدا عليه هناك ، إلا أن المصريين اعتمدوا مقام الرصد في الآذان . تجدر الإشارة الى أن أسماء المقامات القديمة هذه قد تغيرت في مؤتمر القاهرة الموسيقي " عام 1932" ، فأصبحت على النحو التالي :الرصد ، البيات ، السيكاه ، الجهاركاه، النوى، الحسيني، العجم
الموضوع منقول
يعيد العالم (هــ . م . ميللر) نشأة الموسيقا إلى مصادر بدائية كقرع الطبول ، والنداء المنغم ، ومن ثم الترنيمات التي تصاحب حركة عمل الإنسان ، ومنابع انفعالاته وإحساسه الفكري .
وأرى أنها شاركته في أداء طقوسه التي يمثل الغناء فيها ركنا جوهرياً منذ قرابة العام 3000 ق. م ، فنحن نجد موسيقيين سومريين يقودون فرقاً للإنشاد في معبد (ننجرسو) الكبير وغيره . ولم يستعمل السومريون الموسيقا في الطقوس الدينية فحسب ، بل في مختلف الاحتفالات وفي رقصات المناسبات، فثمة نقوش ومشاهد كثيرة تصورالرعاة وهم ينفخون في المزمار ويعزفون في الطنبور ومن حولهم قطعانهم وكلابهم هادئة مصغية .. إذاً لم يبق الفن الموسيقي السامي مرتبطا ً بالمعبد والطقوس الدينية مثله مثل بقية الفنون والآداب السامية كما يحاول سدنة نظرية المركزية الأوربية أن يوهمونا ليعزوا الفضل لأجدادهم ( الحاميين ) في نشأة الفنون الإنسانية وآدابها .
وخير دليل على تطور فن الموسيقا في بلاد الرافدين قبل الإغريق هو ملحمة موسيقية آشورية ؛ ألا وهي :
حرائـــــــق نينـــــــــــــوى
وهي ملحمة سيمفونية آشورية ترجع إلى القرن السابع قبل الميلاد عثر عليها مدونة على رقم طينية بين خرائب نينوى . تتكون من أربع مقاطع ؛ يصف المقطع الأول منها عظمة الإمبراطورية الآشورية ، ويستعرض جيشها النظامي ؛ أما المقطع الثاني فهو يرمز يرمز إلى تآمر وتكالب قوى الأعداء لإضعاف هذه الإمبراطورية ، ويستعرض المقطع الثالث المعارك الطاحنة التي دارت رحاها بين الجيش الآشوري ، و جيوش الأعداء المتحالفة ؛ أما المقطع الرابع فيجسد الدمار والخراب، ويغلب عليه طابع الحزن والأسى لما حل بنينوى من حرائق . وبالرغم من أن هذه الملحمة هي أقدم ملحمة موسيقية معروفة حتى اليوم إلا أنها ليست الأولى في بلاد الرافدين بالتأكيد ، فثمة دلائل تشير إلى أن الموسيقا كانت قد ازدهرت قبل كتابة هذه الملحمة بمئات السنين ، وأهم تلك الدلائل هي تنوع الآلات الموسيقية وكثرتها ،ووجود الفرق الموسيقية في تلك الفترة " تضم الفرقة الموسيقية سبعة عازفين على القيثارة الرأسية وعازفاً واحداً على القيثارة الأفقية ومجموعتين من عازفي المزامير المزدوجة المختلفة وعازف طبلة صغير وبعض الأفراد المصفقين ".. مما يدل على التطور والرقي في ممارسة هذا الفن، ويمكننا أن نصنف الآلات الموسيقية في بلاد الرافدين إلى ثلاثة أقسام رئيسة :
آلات وترية : .............................
اخترع سكان بلاد ما بين النهرين الآلات الوترية وتفننوا بتنويعها ؛ منها :
- العود: أقدم أثر له وجد في خفاجي في أواخر الألف الثالثة قبل الميلاد . أخذه عن الأكاديين شعوب شرقية كثيرة وما تزال تستخدمه حتى اليوم ، وكان العود يستعمل في مناسبات عديدة . يذكر كتاب العهد القديم أن مخترعه هو " يوبال بن لامك" . تمتاز العيدان الأولى المصورة في النقوش التي ترجع إلى 2350 ? 2150 ق. م بصغر صندوقها وطول رقبتها.. ويرجح ( زاكس) أنها مشتقة من القوس الموسيقي السومري "القيثارة" ؛ ويشتمل العود على عدد من الأوتار المشدودة على صندوق رنان مثل الكنارة ترتبط بالعنق من فوق . وتعفق الأوتار بأصابع اليد الواحدة لكي تعطي النغم فيما تغمز اليد الأخرى فوق الصندوق الصوتي . وتبدو عازفات القيثارة في تصاويرهن وقورات يغطين أجسادهن من العنق حتى القدم . أما عازفو العود فيبدون في بعض الأحيان عراة ملتحين أو بتصفيفات شعر مجدولة بصحبة بعض الحيوانات. وقد كانت الأعواد خفيفة سهلة الحمل . ويختلف عدد أوتار العود بين نوع وآخر (4, 7, 8, ،11,10) وترا ً.
- الكنـــارة: إحدى أقدم آلات الطرب ولا تختلف عن القيثارة إلا القليل ، بل غالبا ما يطلق الموسيقيون الاسم نفسه على الآلتين معا. والكلمة في العهد القديم تعني القيثارة. وقد اكتشفت في المقبرة الملكية في (أور) وهي من اختراع السومريين وتتكون من صندوق صوتي ذي إطار غير منتظم الأضلاع يتراوح عدد أوتارها ما بين ثمانية وأحد عشر وترا مصنوعة من أمعاء الثور. أما المادة التي صنعت منها الكنارات والقيثارات السومرية فقد سميت ضمن نشيد سومري يروي كيف هبطت إنانا إلى العالم السفلي:
(يا والد إنانا لا تدع ابنتك تموت في العالم السفلي .. ولا تدع معدنك النفيس يكسوه التراب في العالم السفلي .. لا تدع لازاوردك الجميل يقع تحت ضربات أزميل البناء . ولا تدع مالك من خشب البقس النادر يقع تحت رحمة عدة النجار. لا تدع إنانا الفتية تنتهي إلى الموت في العالم السفلي). ويقال : إن هذه الكلمات كانت تشير إلى الكنارة نفسها تلك الآلة الموسيقية التي كانت تصاحب ترتيل هذه القصص . يذكر بولس الرسول في رسالته إلى أهل قورنثيه يقول: (... بل الجمادات التي تصوت مزمارا كانت أو كنارة إن لم تبد فرقا بين الأصوات فكيف يعرف ما زمر أو عزف به) . ولم يهمل سفرالرؤيا بدوره ذكر الكنارة حيث يقول: (وسمعت صوتا كصوت مياه غزيرة وكصوت رعد عاصف، والصوت الذي سمعته هو صوت عازفين يعزفون بكناراتهم) .
- أنواع القيثارة:
هناك نوعان مهمان للقيثارة في بلاد ما بين النهرين ؛ وهي القيثارة السومرية ، والبابلية - الكلدانية بأشكال متعددة " المنحنية ، والمثلثة ... " .
القيثارة البابلية - الكلدانية : تعتبر القيثارة احدى أقدم آلات النغم الموسيقية (الوترية) اشتهرت منذ القدم لدى شعوب كثيرة وقد استعملها سكان بلاد ما بين النهرين قبل غيرهم . عثر على أكثر من قيثارة في بابل وفي أور الكلدانيتين وفي بلاد آشور، واقتبسها عنهم سائر الشعوب كبقية الآلات الموسيقية القديمة العهد. وما تزال المتاحف الكبرى تحتفظ بنماذج من هذه القيثارات كالمتحف البريطاني ومتحف اللوفر ومتحف شيكاغو وفيلادلفيا وغيرها... وهي (أي القيثارة) مطعمة بالصدف والذهب وصندوقها الرنان مصنوع من الخشب المصقول والموشح بأحجار كريمة والفسيفساء من لازورد وصدف، كما أنها مزينة برأس ثور ذي لحية من ذهب ، وعيناه مرصعتان باللؤلؤ واللازورد سميت بالقيثارة البابلية - الكلدانية لأن أقدم أثر للآلات الموسيقية من نوع القيثارة وجد في ( تلو) في جنوبي بابل ، ثم في أور الكلدانيين ؛ أما رأس الثور الذي نجده في مقدمة هذه القيثارات فأنه يرمز إلى القوة والخصوبة . إذ كان السومريون ، منذ الألف السابع ق . م ، يتخذون من الثور رمزا للإله (آبو) القوي إله الخصوبة والنبات.
- القيثارة المنحنية / السومرية : وتتشكل من قوس يشبه نصف دائرة يصل بين طرفيه ضلع مستقيم لها أوتار رأسيه اشتقت صورتها عن القوس الموسيقية القديمة،واتخذت الوصف نفسه عند العزف . ونجد نموذجا من القيثارة المنحنية " الرأسية الأوتار " في متحف شيكاغو يعود إلى عام 2700 ق.م وآخر بمتحف جامعة فيلادلفيا. كما نجد نقشين آخرين للقيثارة المنحنية " الأفقية الأوتار " في متحف اللوفر يعود الأول إلى سنة 3000 ق.م, والثاني إلى سنة 2000 ق.م ، وأخرى مشابهة مطعمة بالأصداف محفوظة في المتحف البريطاني . ويعتقد العالم الموسيقي (زاكس) أن مسّ كل عازف لوترين مختلفين من الأوتار التي يمسها الآخرون لم يأت عفوا في رسم يتميز بالواقعية لذلك كان اختيار الأوتار الخامس والثامن والعاشر والخامس عشر والثامن عشر للعزف نتيجة ضبطها وفق السلم الموسيقي الخماسي الأنغام . وقد اختفت هذه القيثارة بدءا ً من العام 2000 ق.م لتحل مكانها القيثارة المثلثة .
- القيثارة المثلثة : وتتكون من ثلاثة أضلاع ؛ الضلعان الرئيسان يحلان محل القوس المنحني يضمان بينهما زاوية عند استدارة القوس ، ثم الضلع الثالث الرأسي الذي يصل بين طرفي الضلعين الرئيسين ، وتثبت الأوتار في كلا النوعين رأسية أو أفقية ، ويعزف عليها بمسها بالأصابع أو بريشة الغمز . ويبدو أن ريشة الغمز كانت تستعمل مع الأوتار الأفقية لسهولة تحريكها باليد من أعلى إلى أسفل أو من أسفل إلى أعلى . وكانت الأنغام الموسيقية تُؤدّى في أثناء طقوس القرابين بوساطة أزواج من القيثارات الأفقية كما ورد في سفر المزامير (فادخل إلى مذبح الله إلى إله فرحي وابتهاجي واعترف بالقيثارة لك يا الله إلهي) .
الآلات الإيقاعية : .......................
كانت الآلات الذاتية الصوت تستعمل كثيرا في بلاد ما بين النهرين ؛ منها:
- العصي الإيقاعية: وتتكون من عصاتين عريضتين ملويتين بإمكان المرء أن يمسكها بين يديه ، فيضرب الواحدة بالأخرى فترسل تصفيقا إيقاعيا .
- المصفقات: وهي عبارة عن قطعتين على هيئة قدمي رجل تقرع الواحدة بالأخرى فتخرج صوتا موسيقيا . كما يشاهد في خاتم من (أور) محفوظ في متحف جامعة فيلادلفيا يعود تاريخه إلى عام 2600 ق . م. نقشت عليه صورة حيوان صغير يقوم باستعمالها.
- الشخاليل: وهي على هيئة صنجة صغيرة مرتبطة بآلة معدنية تعطي صوتا عند هزها من مقبضها.
- الأجراس الصغيرة: كانت الراقصات يعلقنها في عنقهن لضبط الإيقاع كما أنها كانت تستعمل في المناسبات والطقوس الدينية أيضا.
- الصنوج: والصنوج نوعان : صنوج التصويت وصنوج الهاتف؛ فالنوع الأول : هو عبارة عن قطع صغيرة مستديرة من النحاس تستعملها الراقصات ، والنوع الثاني: هو من الصنوج المعهودة وهي صفيحتان مستديرتان من النحاس تستعمل في الطقوس الدينية والاحتفالات .
- الصلاصل: وردت مصورة على قطعة مطعمة بالصدف من (أور) قرابة 2500 ق. م وهي آلة معدنية شبيهة بملقط يحمل في ساقيه نوعا من الصنوج المتحركة تخرج صوتا موسيقيا إيقاعيا عند اهتزاز الآلة وارتطام الصنوج بعضها ببعض.
- الجلاجل: وهي عبارة عن تماثيل على شكل دمى صغيرة من الفخار المجفف كانت تملأ بالحصى بغية هدهدة الأطفال وملاطفتهم ، وكانت تصنع من الذهب أيضا وتعلق على أذيال رداء رئيس الكهنة عند دخوله قدس الأقداس وخروجه منه لتعطي صوتا موسيقيا.
آلات ذاتية الصوت: ........................
- الدف: آلة طرب يطلق عليه اسم (طبل اليد) وهو عبارة عن قطعة من الجلد الرقيق مشدود إلى إطار من الخشب شدا محكما قويا بحيث إذا ما اتقن توقيع ضرب اليد عليه, على نغم خاص أعطى صوتا موسيقيا وكثيرا ما تعلق في أطراف الإطار الخشبي أجراس صغيرة زيادة في الإيقاع . وكان الدف يستعمل كثيرا في الحفلات فتقوم النساء بالضرب عليه مصطحبات به الغناء فيرقص الراقصون على أنغامه وكانت تستخدمه المحترفات والماهرات من كاهنات المعابد في بلاد ما بين النهرين. ويستعمل الدف مع غيره من الالات الموسيقية لمرافقة الجوقات في ترانيمها. (ثم أخذت مريم النبية أخت هارون الدف في يدها وخرجت النساء كلهن وراءها بدفوف ورقص).
- الطبل: كان السومريون يستعملون أنواعا مختلفة من الطبول بأشكال وهيئات وأحجام متعددة متفاوتة . يعدد العالم الموسيقي(زاكس) اثني عشر نوعا من الطبول وذلك لوجود اثني عشر اسماً لها في اللغة السومرية. نجد في متحف اللوفر (طبلة) يعود تاريخها إلى سنة 2400 ق.م وأخرى في متحف استنبول ترجع إلى عام 2900 ق.م ثمَّ تنوعت الطبول فيما بعد في النقوش البابلية - الكلدانية والآشورية بين كبيرة ، وصغيرة تمسك باليد ، أو تحمل رأسية ، أو أفقية معلقة بحزام يلتف حول وسط العازف.
الآلات المنغمة : ............................
ترك لنا الفن في بلاد ما بين النهرين شهادات مهمة بشكل أشعار ملحمية كملحمة جلجامش. أو بشكل أناشيد تمجد الآلهة والملوك العظام مرفقة بأنغام بعض آلات النفخ الموسيقية المصنوعة من الأنابيب كالمصفار، والبوق، والنفير.
- المصفار / الناي : استعمل السومريون الناي ، واسمه بالسومرية (جي - جيد) أي القصبة خلال الألف الثالثة ق. م ، كما ورد منقوشا على أحد أختام الملك السومري (جوديا) ، ومن المؤكد أن الصينيين والمصريين قد أخذوه عن السومريين فقد استعملوه في تلك الفترة باسمه السومري ، بينما كان الإغريق / الحاميون " كالأطرش في الزفة " .
كان (انلوليم) راعي المعز يشترك في طقوس الإله ننجرسو ويعزف على المصفار ليدخل السرور على أهل بلاد (اينينو).وقد استعمل شعب بلاد ما بين النهرين المزمار المزدوج ذا الانبوبتين المتصلتين .. كالمزمار المزدوج المصنوع من الفضة والمحفوظ بمتحف جامعة فيلادلفيا الذي اكتشف في مقبرة (أور) ويرجع تاريخه إلى عام 2500 ق.م ويحمل هذا المزمار في كل أنبوبة من الأنبوبتين أربعة ثقوب .
- القرن/ البوق : عُثر على أقدم أثر يدل عليه في مملكة ماري وهو تمثال من الحجر لرجلين متجاورين وبيد كل منهما قرن ويعود هذا التمثال إلى القرن الرابع والعشرين قبل الميلاد . ونجد للبوق نوعين ؛ الأول : ذو انبوبة مستقيمة ، والثاني: له انبوبة منحنية . وتذكر الوثائق أن من بين الهدايا التي قدمها الملك (توشرانا) إلى (امنحتب) الرابع ملك مصر حوالي عام 1400 ق.م أربعين بوقا مغشاة بالذهب وبعضها موشى بالأحجار الكريمة ؛ منها سبعة عشر بوقا مصنوعة من قرون الثيران.
- النفير: نجد آلات النفير في نقوش آشورية 2400 ق.م تمثل عملية نقل تمثال (الثور المجنح) حيث يقف جنود في أعلى التمثال وهم يعزفون بالنفير. والظاهر بأن عملية النفخ بالنفير كانت صعبة مثل عملية نقل التمثال .
مكانة الموسيقا والموسيقيين
في بلاد الرافدين
كان تعليم الموسيقى إلزاميا في معظم مدارس سومر وبابل . ويعدّ كلّ تلميذ يرفض هذا التعليم متخلفا . وقد ورد في خطاب لشمش أداد (1803 ? 1781 ق.م) إلى ابنه يقترح إرسال بنات (ياهدون - ليم) إلى القصر في ( شوباط ? انليل) كي يتعلمن الغناء ، وكان الرقص أيضاً يحتل بدوره مكانة كبيرة في الحفلات الموسيقية في تلك العصور السحيقة حيث نجد نقوشا عديدة اكتشفت مؤخرا ترتقي إلى عام 3000 ق.م وتبرز مجموعات من النساء في زي راقصات . كما نشأت فئة من المغنيين والعازفين المحترفين وطورت الآلات الموسيقية وفنون الغناء والرقص على إيقاعها . وفي مجتمعات العصر البرونزي ساد غناء الأساطير التقليدية للآلهة والأبطال والملاحم يصاحبه العزف على الآلات الوترية ، وقد اهتم الآشوريون في عصورهم المبكرة بالموسيقا خاصة في عصر فجر السلالات بدلالة الآلات الموسيقية المختلفة التي عثر عليها المنقبون ، وكذلك تكرار مشاهد الطرب والرقص على كثير من الأختام الأسطوانية التي تعود لهذه الفترة. وقد أدرك الآشوريون ما كان للموسيقا من أثر في معنويات المقاتلين ، لذا استخدموها في إثارة الحماس في نفوس الجنود أثناء المسيرة وإبان حلهم في المعسكرات في بلادهم . ويُعتقد أن الآشوريين هم أول من شكلوا الفرق الموسيقية العسكرية التي تضم مجموعة من العازفين على الآلات، في حين كانت الموسيقا ، قبل ذلك ، مقتصرة على الحفلات الغنائية والرقص . وكثيرا ما نشاهد أيضا صورا تنكرية لرجال يشتركون في العزف أثناء الاحتفال بالانتصارات التي حققها آشور ناصر بال (1050 - 1032) قبل الميلاد وتغلت بلاصر الثالث (744 - 727) قبل الميلاد, وآشور بانبيال (668 - 626) قبل الميلاد.ومن المحتمل أن هذه الصور كانت على شكل ملابس تنكرية، وقد صور في احداها جندي مع شخص آخر يرتدي كل منهما قبعة ذات ريش في حفل بمناسبة دخول آشور بانبيال مدينة ( مليكا) وكانت الموسيقا تصاحب سير الحوادث وأنباء الحملات العسكرية عند عودة الملك منتصرا حيث تجري احتفالات بهذه المناسبة في العاصمة الآشورية يحضرها الملك بنفسه ، ويتضح من كل ذلك أن الآشوريين قد جندوا الموسيقا في خدمة أغراضهم العسكرية شأنها في ذلك شأن أي مرفق آخر في حياتهم ويعرف نافخ المزمار عند الآشوريين بـ (زمارو)، أما العازف على القيثارة أي المغني فيسمى (نارو) ، ويسمى كبير الموسيقيين بـ (رب زماري).
السلم الموسيقي والأصل الرافدي
تنسب صياغة السلم الموسيقي إلى العالم الإغريقي فيثاغورس ، لكنها في الحقيقة من إبداع السومريين ، فقد كان فيثاغورس طالباً جال العديد من بلدان المشرق وأخذ عنهم ما أخذ ومن جملة ما أخذ صياغة السلم الموسيقي . يقول العالم الموسيقي برودوان بريفورت : إن اليونانيين القدماء اخذوا السلم الموسيقي الطبيعي " الماجور" من موسيقا الشرق وهذا السلم لم يكتشفه الأوربيون . فلقد عثر على وثيقة في العراق عام1962 تثبت اكتشاف نظرية المثلث القائم قبل وجود فيثاغورس بـ 500 عام واكتشفت هذه الوثيقة في تل حرمل قرب بغداد. يقول فارمر: " ان الموسيقا العربية هي من أصل سامي وقد أثرت تأثيرا قويا في الموسيقا اليونانية " . وقد اكتشف السلم السباعي العالم الأثري لينارد وولي عام1927 على قيثارة سومر التي يعود تاريخها الى القرن 25 قبل الميلاد، وبالاعتماد عليها أمكن إثبات أبعاد السلم السباعي وتؤكد ذلك المنظومات التي اكتشفت محفورة على الآجر في خرائب أور ونينوى ، وكذلك اكتشف العلماء هذا السلم السباعي الأكدي الذي يعود أصله الى السومريين واستطاع موسيقيون في جامعة واشنطن أن يكشفوا الستار عن ألحان هذا السلم وأسمائه السبعة من اللغة الأكدية . كما إنهم سجلوا شريطا وعزفوا ألحانه السبعة، وأكدوا أن أسماء المقامات شرقية مأخوذة من القيثارة السومرية .
وقد قلنا سابقا ًاستنادا الى الأكتشافات الأثرية : إن القيثارة السومرية هي أول آلة موسيقية وترية معتمدة في العالم .. مما يؤكد أن صياغة السلم الموسيقي تعود إلى السومريين . وقد تحدّث الأستاذ جبران أسعد( جبران مقدسي صومي) في كتابه "الموسيقى السورية عبر التاريخ" عن اكتشاف المدرج الموسيقي المغمور من ألحان الكنيسة السريانية الأنطاكية.. وعن حفظه وتدريسه لقسط كبير من هذه الألحان السريانية بشكل موضوعي مخضعا هذه الألحان للدرس والتدقيق . . كما أكد أن الموسيقا السريانية التي غزت العالم مصدرها الشعب السومري . لقد وضع السلم الموسيقي التاريخي من الألحان الثمانية التي تستعمل في الكنيسة السريانية حيث انبثقت منها جميع الألحان الموجودة في العالم حيث قدّرها الفيلسوف العظيم الفارابي بـ 3000 لحنا. وتبنى الألحان في الكنيسة السريانية على القيثارة السومرية الخالدة ذات الأوتار السبعة " أما الوتر الثامن فهو ذو صوت حادّ جوابا للوتر الأول حيث يبدأ أوكتافا جديدا أي ديوانا آخر" فيبدأ اللحن الأول على الوتر الأول وهكذا الى الوتر الإضافي . يقول ابن العبري في كتابه الايثيقيون : ان المقامات الأساسية كانت 12 مقاما ثم اختصرت الى 8 مقامات وحسب القيثارة السومرية بعد إهمال المقامات الأربعة الأولى لعدم توافقها مع غاية العبادة . وتجدر الإشارة الى أن القيثارة السومرية تبدأ من قرار الصول الى درجة فا . وقد تم تحوير أسماء المقامات الثمانية من اللغة الآرامية الى اللغة العربية كما يلي :
- BAYA المقام الأول البيات : وهو مقام البياتي في اللغة العربية، وكلمة بيات مشتقة من الفعل بات التي تعني فيما تعني أدركه الليل أو نزل ليلا .. وهي لا تعطي بهذا المعنى صفة موسيقية فنية ، ولكنها محرفة عن السريانية "بيا" التي تعني عزّى ، سلّى وهذا المعنى يعطيها صفة موسيقية واضحة.
- HAWSONE المقام الثاني الحسيني: والكلمة مشتقة من الحسن والجمال ولاتعطي دلالة موسيقية كما في السريانية حيث تعني الترفق .. ولهذا المعنى دلالات موسيقية تنسجم مع هذا المقام.
- UR-Ak المقام الثالث العراق : وإسمه جاء من مدينة في العراق قد تكون الوركاء - اور عاصمة السومريين والأكديين.
- RAZD المقام الرابع الرصد: وهو بالعربية الرست حيث يعتبر المقام الرئيسي الأول وتعني المستقيم ، وليس لهذا المعنى صلة بالمقام المستقيم وهذا لايعطيه صفة موسيقية ، أما بالآرامية فتعني أدرج ، قرر، ثبت، أصلح.
- UGOالمقام الخامس أوج: بالعربية "أوج أي الأعلى" أما معناه باللغة التركية فهو الرأس الحاد، أما في السريانية فهو الميس، الزهور، الريحان ،الخمرة ، والمعنى هنا اكثر انسجاما مع طبيعة هذا المقام.
- AGAM المقام السادس العجم: ويلفظ بالعربية عجم.. ويعني الغريب، الغشيم، وقد طغى معناه التركي حتى في العربية حيث يعني بلاد فارس . أما في اللغة الآرامية القديمة فمعناه رجوع ، هبوط ، تفريغ، وهو أقرب الى نوعية هذا المقام ؛ فهذا المقام يبدأ من مركزه الأعلى ثم يتفرّع رويدا رويدا الى قراره ، فيتضح لنا معناه الارامي موسيقيا. وكانت هذه الطريقة في الأداء الصفة المميزة لغناء إبراهيم الموصللي.
- SBA المقام السابع الصبا: وتعني باللغة العربية النسيم الشمالي وفي الآرامية تعني فرح، سرور،أراد، شاء، صفاء. وهذا المقام مفضل عند السريان خاصة في مراسيم موت الشهداء أو الكهنة لكونه حزينا ذا خاصية مميزة.
- HAJO المقام الثامن الحجاز: وهو اسم السعودية قديما . حيث كانت تعرف باسم"حج HAJ " وقد أضيف حرف الزاي الى الكلمة خلال الحكم العثماني ، وقد انتقل هذا المقام من الآراميين الى الحجاز ، فأعجب به المسلمون، وجعلوا الأذان معتمدا عليه هناك ، إلا أن المصريين اعتمدوا مقام الرصد في الآذان . تجدر الإشارة الى أن أسماء المقامات القديمة هذه قد تغيرت في مؤتمر القاهرة الموسيقي " عام 1932" ، فأصبحت على النحو التالي :الرصد ، البيات ، السيكاه ، الجهاركاه، النوى، الحسيني، العجم
الموضوع منقول