يعود استخدام المذياع في العراق الى اوائل عام 1928 اذ قام صاحب شركة الدخان العراقية عبد العزيز البغدادي باجراء مسابقة لمنتوجات شركته وخصص جائزة اولى هي جهاز راديو وبدأت معه بعض المقاهي في بغداد بانشاء محطات اذاعية سلكية عن طريق استخدام راديو كبير يربط بسلك الى سماعة تليفون ومكبر للصوت وتذاع بواسطته اغاني وموسيقى وتلاوة للقرأن الكريم وقد استخدم هذه الطريقة الحاج عبد العزيز صاحب مقهى البارودية في محلة الفضل وذلك عام 1932 وتطورت هذه المبادرة الى قيام الحاج عبد صاحب المقهى عندما انشا استوديو للبث واوصله بسلك الى جهاز المذياع و تاجير فرقة موسيقية ومغنين للمقامات العراقية يقدمون حفلات اسبوعية في حين كان السيدان عبد السلام العزاوي وزكي خطاب المحامي يقومان بتلاوة القران الكريم كافتتاح لهذا البث عام 1933 و تطورت هذه المحاولات حتى شملت كثيرا من المقاهي، و بعدها انشا الملك غازي إذاعة تختص به هي محطة إذاعة قصر الزهور.
وعودة إلى قصة تأسيس إذاعة بغداد عام 1936 فبعد إن قامت الحكومة المصرية بتأسيس إذاعة لاسلكية عام 1935. وتبعتها سلطة الاحتلال البريطاني في القدس ودخول الراديو العراق عن طريق بعض الميسورين. ارادت الحكومة العراقية انشاء اذاعة اسوة بالبلدان التي خطت الى امام بهذا المجال حيث انتشرت فيها الاذاعات التي تنطق باللغة العربية فهي تلك السنة أي 1936 جرت محاولة عراقية لشراء معدات ارسال لاسلكي والسعي لتأسيسها. وفي شهر مايس من تلك السنة عهدت الحكومة والتي كان يرأسها السيد ياسين باشا الهاشمي الى لجنة في وزارة الاقتصاد والمواصلات لانجاز بناء محطة للاذاعة وقد خصص مبلغ اولي قدره الفان وثمانمئة دينار ثم زيد المبلغ الى ثلاثة الاف وثمانمئة دينار واعتبر هذا المبلغ كبداية ريثما يتوفر ظرف مالي يسمح بتخصيص الميزانية التي تساعد على بناء ستوديوهات وفعلا خصصت وزارة المالية في ميزانية سنة 1936 مبلغ خمس وثلاثين الف دينار.
وتألفت لجنة انشاء الاذاعة من رئيس الوزراء فخامة ياسين باشا الهاشمي ووزير المعارف السيد صادق البصام مع عدد من الاعضاء ثم انشئت لجنتان الاولئ برئاسة المفتش العام للمعارف وعضويه السيد طه الراوي سكرتير مجلس الاعيان ومدير الرعاية العام السيد ابراهيم حلمي العمر واللجنة الثانية برئاسة السيد خليل اسماعيل البستاني مدير المعارف العام و ذلك لدراسة الملاك والعاملين والفنيين وكل ما يتعلق بالاجور والمخصصات واستمرارية ادامة الاذاعة و ملء الشواغر ووضعت عناوين للعاملين (مدير اذاعة، فنيين، كتاب محاضرين (مقدمي برامج) مطربين، موسيقيين..) و ووضعت سلما لرواتبهم. مدير ستوديو براتب 21 دينار مهندس فني براتب 30 دينار و مذيع براتب 15 دينار شهريا الى جانب وظائف اخر فراش-جايجي-حدقجي..
اعترضت وزارة المالية على هذا الملاك لعدم وجود التخصيصات المالية اللازمة لمثل هذا الملاك. ولم يخطر ببال واضعي الميزانية وظائف كهذه من قبل فتفتق ذهن البعض الى فرض رسم سمي برسم الراديو يؤخذ من اصحاب المقاهي والمحلات والبيوت التي تضع جهاز راديو ظاهر للعيان او مسموعا وفرضت مبلغ نصف دينار شهريا على كل جهاز راديو و هكذا نشأ جيش من الجباة بزي موحد يجوبون المقاهي والمحلات و يطرقون ابواب البيوت و يتنصتون على الناس من خلف الشبابيك – فكم مفارقة حدثت معهم من اصحاب البيوت و كم صطل ماء رشقوا من السطوح ثم اخذوا يطرقون الابواب قائلين (عندكم راديون و يكون الجواب لا يابة عدنة قبول)
ومن محصلة هذه الجباية تدفع اجور العاملين من محاضرين و كتاب وموسيقيين ومطربين وغيرهم. وكانت اجور المطربين لا تتعدى الدينار والربع عن الحفلة الواحدة و كان المطرب عبد الامير طوبرجاوي يتقاضى مبلغ دينار وربع عن الحلقة الاسبوعية وامدها نصف ساعة وهكذا مع بقية المطربين مثل سليمة باشا و امثالها.
قبل البث الرسمي بدأت ارسالها التجريبي لمدة ثلاث ساعات في الاسبوع مرتين من الساعة 8-11 مساءا و نجح الارسال لكنه لم يصل حدود مدينة العمارة والبصرة و كركوك والموصل.
وأخذت الناس نشوة فرح غامرة بميلاد شيء جديد في حياتهم كما حدث يوم دخلت الكهرباء مدينة بغداد بعد ظلام القرون واعتبر يوما تأريخيا في حياتهم و يقال انه قد بيعت في مناسبة عام الميلاد ولمناسبة ذكرى تتويج الملك فيصل الاول خمسة الاف جهاز راديو...
الاذاعة في بداياتها لم تكن تعتمد التسجيل للرامج التي تذيعها. كانت كل المواد الاذاعية تذاع على الجو عدا الاغاني المسجلة على الاسطوانات و كم من مفارقة و كم من هفوة او زلة او خطأ اصبحت مثار تندر الناس وحديثهم. وحتى الاربعينات لم تتوفر لدى الاذاعة اجهزة تسجيل و هنا يذكر مهندس الصوت في اذاعة بغداد السيد داود السامرائي حكاية دخول اجهزة التسجيل الى الاذاعة والعراق فيقول عام 1948 جاءت فرقة اذاعية موفدة من قبل الاذاعات البريطانية والامريكية وبخاصة اذاعة الشرق الادنى للحصول على البرامج والاغاني المحلية و كانت تجلب معها اجهزة اذاعية خاصة واتخذوا مقرا لهم في احد استوديوهات الاذاعة فخطرت لي فكرة الاستفادة من الاجهزة والاسطوانات بعد الانتهاء من العمل عند الساعة السادسة من كل يوم فقمت بتشغيلها والاتصال بصالات العرض السينمائية التي تعرض افلاما عربية لتسجيل اغاني الافلام عن طريق التليفون واستطعت ان اسجل مجموعة من الاغاني لصباح واسمهان ..
وتشير المصادر ان اول من استعمل جهاز التسجيل من نوع الواير ريكوردر هو المرحوم عبد الله الجقماقجي الذي كان يمتلك محلا مقابل مقهى خليل كان قد اشتراه من احد الامريكان ضمن حاجات اخرى وقام المرحوم الجقماقجي بتسجيل الحفلات الدينية التي كانت تذاع على اذاعة القاهرة.
في تلك الفترة كانت الاذاعة تفتقر الى اجهزة التسجيل فاقترح بعض العاملين على السيد حسين الرحال مدير الاذاعة انذاك ان يشتري اجهزة تسجيل لتتمكن الاذاعة من تسجيل برامجها وقد كلف المهندس بديع امين زكي لشراءها من شركة فلكو.
اما استعمال جهاز تيب ريكوردر فقد تم شراءه من احد المواطنين الذين درسوا في امريكا كان قد جلبه بعد عودته من امريكا الى العراق بعد ان استطاع احد المهندسين اقناعه لبيع الجهاز لغرض استخدامه في تسجيل تلاوات القران الكريم للقراء ابو العينين شعيشع وعبد الفتاح الشعشاعي وعبد الباسط عبد العميد لمناسبة وفاة الملكة عالية سنة 1951-1952 وقد سجلت بواسطته اندر التلاوات التي لا تزال تسمع الى اليوم.
وفي تلك الفترة بدأت اذاعة بغداد تحسن من مستوى البث الذي كان ينتهي عند الساعة العاشرة مساءا بسبب قدرة المرسلات البسيطة التي لا تتجاوز كيلو واط (الموجة المتوسطة) اما الموجة القصيرة فكانت قدرتها 1/3 كيلو واط وهي من نوع (rce). بعد ذلك وفي عام 1951، انشأت مرسلات جديدة في منطقة ابو غريب من نوع ماركوني بقوة 20 كيلو واط وكان يدير هذه المرسلات مهندس انجليزي من نفس شركة ماركوني وقد استطاع ان يجلب للاذاعة اجهزة تسجيل متطورة وقد تم ذلك حيث اخترع عملية تسجيل الاغاني على اسطوانات من الفافون المطلي بمادة قيرية كما جلب المهندس المذكور اجهزة اذاعية تسمى ايسي.
وبمرور الزمن دخلت الاذاعة اجهزة صوتية متطورة و توسعت قدرات المرسلات و اخذت تبث بحدود الف الى الفين كيلوا واط واستعملت اجهزة التسجيل الحديثة بدل الاجهزة القديمة التي مسحت وشوهت اجمل الاصوات فكم من اغان رائعة ضاعت مع البث الحي و ضاع معها تراث غنائي حافل لم يبق منه الا القليل.
وعودة إلى قصة تأسيس إذاعة بغداد عام 1936 فبعد إن قامت الحكومة المصرية بتأسيس إذاعة لاسلكية عام 1935. وتبعتها سلطة الاحتلال البريطاني في القدس ودخول الراديو العراق عن طريق بعض الميسورين. ارادت الحكومة العراقية انشاء اذاعة اسوة بالبلدان التي خطت الى امام بهذا المجال حيث انتشرت فيها الاذاعات التي تنطق باللغة العربية فهي تلك السنة أي 1936 جرت محاولة عراقية لشراء معدات ارسال لاسلكي والسعي لتأسيسها. وفي شهر مايس من تلك السنة عهدت الحكومة والتي كان يرأسها السيد ياسين باشا الهاشمي الى لجنة في وزارة الاقتصاد والمواصلات لانجاز بناء محطة للاذاعة وقد خصص مبلغ اولي قدره الفان وثمانمئة دينار ثم زيد المبلغ الى ثلاثة الاف وثمانمئة دينار واعتبر هذا المبلغ كبداية ريثما يتوفر ظرف مالي يسمح بتخصيص الميزانية التي تساعد على بناء ستوديوهات وفعلا خصصت وزارة المالية في ميزانية سنة 1936 مبلغ خمس وثلاثين الف دينار.
وتألفت لجنة انشاء الاذاعة من رئيس الوزراء فخامة ياسين باشا الهاشمي ووزير المعارف السيد صادق البصام مع عدد من الاعضاء ثم انشئت لجنتان الاولئ برئاسة المفتش العام للمعارف وعضويه السيد طه الراوي سكرتير مجلس الاعيان ومدير الرعاية العام السيد ابراهيم حلمي العمر واللجنة الثانية برئاسة السيد خليل اسماعيل البستاني مدير المعارف العام و ذلك لدراسة الملاك والعاملين والفنيين وكل ما يتعلق بالاجور والمخصصات واستمرارية ادامة الاذاعة و ملء الشواغر ووضعت عناوين للعاملين (مدير اذاعة، فنيين، كتاب محاضرين (مقدمي برامج) مطربين، موسيقيين..) و ووضعت سلما لرواتبهم. مدير ستوديو براتب 21 دينار مهندس فني براتب 30 دينار و مذيع براتب 15 دينار شهريا الى جانب وظائف اخر فراش-جايجي-حدقجي..
اعترضت وزارة المالية على هذا الملاك لعدم وجود التخصيصات المالية اللازمة لمثل هذا الملاك. ولم يخطر ببال واضعي الميزانية وظائف كهذه من قبل فتفتق ذهن البعض الى فرض رسم سمي برسم الراديو يؤخذ من اصحاب المقاهي والمحلات والبيوت التي تضع جهاز راديو ظاهر للعيان او مسموعا وفرضت مبلغ نصف دينار شهريا على كل جهاز راديو و هكذا نشأ جيش من الجباة بزي موحد يجوبون المقاهي والمحلات و يطرقون ابواب البيوت و يتنصتون على الناس من خلف الشبابيك – فكم مفارقة حدثت معهم من اصحاب البيوت و كم صطل ماء رشقوا من السطوح ثم اخذوا يطرقون الابواب قائلين (عندكم راديون و يكون الجواب لا يابة عدنة قبول)
ومن محصلة هذه الجباية تدفع اجور العاملين من محاضرين و كتاب وموسيقيين ومطربين وغيرهم. وكانت اجور المطربين لا تتعدى الدينار والربع عن الحفلة الواحدة و كان المطرب عبد الامير طوبرجاوي يتقاضى مبلغ دينار وربع عن الحلقة الاسبوعية وامدها نصف ساعة وهكذا مع بقية المطربين مثل سليمة باشا و امثالها.
قبل البث الرسمي بدأت ارسالها التجريبي لمدة ثلاث ساعات في الاسبوع مرتين من الساعة 8-11 مساءا و نجح الارسال لكنه لم يصل حدود مدينة العمارة والبصرة و كركوك والموصل.
وأخذت الناس نشوة فرح غامرة بميلاد شيء جديد في حياتهم كما حدث يوم دخلت الكهرباء مدينة بغداد بعد ظلام القرون واعتبر يوما تأريخيا في حياتهم و يقال انه قد بيعت في مناسبة عام الميلاد ولمناسبة ذكرى تتويج الملك فيصل الاول خمسة الاف جهاز راديو...
الاذاعة في بداياتها لم تكن تعتمد التسجيل للرامج التي تذيعها. كانت كل المواد الاذاعية تذاع على الجو عدا الاغاني المسجلة على الاسطوانات و كم من مفارقة و كم من هفوة او زلة او خطأ اصبحت مثار تندر الناس وحديثهم. وحتى الاربعينات لم تتوفر لدى الاذاعة اجهزة تسجيل و هنا يذكر مهندس الصوت في اذاعة بغداد السيد داود السامرائي حكاية دخول اجهزة التسجيل الى الاذاعة والعراق فيقول عام 1948 جاءت فرقة اذاعية موفدة من قبل الاذاعات البريطانية والامريكية وبخاصة اذاعة الشرق الادنى للحصول على البرامج والاغاني المحلية و كانت تجلب معها اجهزة اذاعية خاصة واتخذوا مقرا لهم في احد استوديوهات الاذاعة فخطرت لي فكرة الاستفادة من الاجهزة والاسطوانات بعد الانتهاء من العمل عند الساعة السادسة من كل يوم فقمت بتشغيلها والاتصال بصالات العرض السينمائية التي تعرض افلاما عربية لتسجيل اغاني الافلام عن طريق التليفون واستطعت ان اسجل مجموعة من الاغاني لصباح واسمهان ..
وتشير المصادر ان اول من استعمل جهاز التسجيل من نوع الواير ريكوردر هو المرحوم عبد الله الجقماقجي الذي كان يمتلك محلا مقابل مقهى خليل كان قد اشتراه من احد الامريكان ضمن حاجات اخرى وقام المرحوم الجقماقجي بتسجيل الحفلات الدينية التي كانت تذاع على اذاعة القاهرة.
في تلك الفترة كانت الاذاعة تفتقر الى اجهزة التسجيل فاقترح بعض العاملين على السيد حسين الرحال مدير الاذاعة انذاك ان يشتري اجهزة تسجيل لتتمكن الاذاعة من تسجيل برامجها وقد كلف المهندس بديع امين زكي لشراءها من شركة فلكو.
اما استعمال جهاز تيب ريكوردر فقد تم شراءه من احد المواطنين الذين درسوا في امريكا كان قد جلبه بعد عودته من امريكا الى العراق بعد ان استطاع احد المهندسين اقناعه لبيع الجهاز لغرض استخدامه في تسجيل تلاوات القران الكريم للقراء ابو العينين شعيشع وعبد الفتاح الشعشاعي وعبد الباسط عبد العميد لمناسبة وفاة الملكة عالية سنة 1951-1952 وقد سجلت بواسطته اندر التلاوات التي لا تزال تسمع الى اليوم.
وفي تلك الفترة بدأت اذاعة بغداد تحسن من مستوى البث الذي كان ينتهي عند الساعة العاشرة مساءا بسبب قدرة المرسلات البسيطة التي لا تتجاوز كيلو واط (الموجة المتوسطة) اما الموجة القصيرة فكانت قدرتها 1/3 كيلو واط وهي من نوع (rce). بعد ذلك وفي عام 1951، انشأت مرسلات جديدة في منطقة ابو غريب من نوع ماركوني بقوة 20 كيلو واط وكان يدير هذه المرسلات مهندس انجليزي من نفس شركة ماركوني وقد استطاع ان يجلب للاذاعة اجهزة تسجيل متطورة وقد تم ذلك حيث اخترع عملية تسجيل الاغاني على اسطوانات من الفافون المطلي بمادة قيرية كما جلب المهندس المذكور اجهزة اذاعية تسمى ايسي.
وبمرور الزمن دخلت الاذاعة اجهزة صوتية متطورة و توسعت قدرات المرسلات و اخذت تبث بحدود الف الى الفين كيلوا واط واستعملت اجهزة التسجيل الحديثة بدل الاجهزة القديمة التي مسحت وشوهت اجمل الاصوات فكم من اغان رائعة ضاعت مع البث الحي و ضاع معها تراث غنائي حافل لم يبق منه الا القليل.