يقدم كتاب »نخبة القادة الإداريين« الصادر عن دار »وارتون سكول« للنشر الذي تولت ترجمته الدار العربية للعلوم إجابات مذهلة عن فلسفة القيادات الإدارية المعاصرة في وقتنا الحاضر التي استطاعت الانتقال بواقعها الشخصي من الصفر السلبي إلى قمة الإنجاز الإيجابي بفضل الإرادة المتحدية والقدرة على التكيف مع قواعد اللعبة المتغيرة والحقائق الجديدة في الأسواق.
في يونيو من العام 2000، تحدث جون بوغل، مؤسس فانغارد غروب والمسؤول التنفيذي السابق فيها، عن القيادة في مدرسة وارتون التابعة لجامعة بنسلفانيا.
وفي ما كانت مجموعة متعطشة من المديرين يستمعون إلى الرجل الذي روج لمبدأ الاستثمار المعتمد على المؤشرات ـــ والذي حول في تلك الأثناء فانغارد غروب إلى شركة تدير أكثر من 550 مليار دولار من (الموجودات Assets) ـــ ختم بوغل خطابه بالاقتباس عن جايمس نوريس، أحد مديري فانغارد، الذي كتب: »في حين أن دراسة ما يكون القائد قد تكشف عن بعض الأمور، فإن بحثك الهادف إلى فهم صيغة للقيادة من نوع ما، يمكن أن ينتهي بك إلى الإصابة بالإحباط.
فالأمر أشبه بدراسة مايكل أنجلو أو شيكسبير: يمكنك التقليد، والمحاكاة، والتقمص، لكنك لن تجد بكل بساطة صيغة لوصل النقاط لدافيد، أحد أعمال مايكل أنجلو، أو هاملت، إحدى مسرحيات شيكسبير. وأنا أفترض، بعد كل ما قيل وفعل، بأن الأمر يتلخص بما يلي: »الناس قادة لأنهم اختاروا قيادة الآخرين«.
يمكن تعريف جوهر القيادة ببساطة بأنه: مسألة اختيار وإصرار. لكن الصحيح أيضاً أنه لا يوجد قائدان متشابهان في كل الصفات. فقد جمع غاندي وتشرشل الملايين خلفهما، لكن ليس بالطريقة ذاتها ولا للأسباب نفسها. في عالم الأعمال، ربما تشترك طريقة قيادة جون بوغل لفانغارد في شيء من صفاتها مع طريقة وارن بوفيت في إدارته لبير كشاير هاثاواي، لكن الفوارق بينهما كبيرة أيضاً ـــ بالرغم من أنهما تطورتا على نطاق واسع في عالم »الاستثمار«.
كما أن أندي غروف وبيل غيتس هما رئيسان لشركتين تبيعان التكنولوجيا المتقدمة وتسيطران على الأسواق التي تعملان فيها ــ لكن في حين ترعرع غيتس بوصفه الابن المدلل لمحام ثري، نجد أن غروف، أمضى أعوامه الأولى وهو يعاني من الشدائد في هنغاريا الستالينية. وانعكست خلفياتهما المتباينة جداً في نهجيهما في القيادة.
وإذا كان ذلك صحيحاً، فإن الأشخاص الذين يحتارون ويصرون على أن يصبحوا قادة مهنيين مؤثرين، يمكنهم الاستفادة من مراقبة القادة الآخرين واستخدام ملاحظاتهم في اكتشاف أسلوبهم الخاص في القيادة وتعزيزه. وليس الهدف من دراسة سير القادة المهنيين الآخرين تقليدهم في صفاتهم بقدر ما هو اكتشاف تلك السمات التي تجد لها صدى مع سمات الباحث،
وبالتالي رعايتها من أجل زيادة مهاراته وقدراته القيادية. فالقادة يصنعون ولا يولدون. واكتشاف سمات القيادة يمكن أن يساعد الناس في زيادة تأثيرهم في المحيط الذي يعملون فيه. صحيح أن من يقوم بذلك قد لا يصبح ماري كاري آش أو جاك ويلش آخر، لكن احتمالات تحوله إلى قائد أفضل تصبح أكثر منها لو لم يمتلك تلك المعرفة.
وكتاب »نخبة القادة الإداريين«: ما الذي يمكنك تعلمه من رجال الأعمال الخمسة والعشرين الأول في زماننا«، يعتمد على هذه المقدمة. إنه حصيلة التعاون بين نايتلي بيزنس ريبورت، البرنامج المهني اليومي الذي يحظى بأكبر عدد من المشاهدين لشاشات التلفاز الأميركية، والمجلة التي تحلل وتبحث في القضايا المهنية على الإنترنت، والتي تصدرها كلية وارتون التابعة لجامعة بنسيلفانيا.
وللاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة والعشرين للنايتلي بيزنس ريبورت التي صادفت في يناير 2004، عملت وارتوت والنايتلي معاً على تحديد القادة المهنيين الخمسة والعشرين الأكثر تأثيراً في السنوات الخمس والعشرين الماضية.
ورشح مشاهدو برنامج النايتلي بيزنس ريبورت أكثر من 700 رجل أعمال من مختلف أنحاء العالم، ومن بين هؤلاء، اختارت لجنة مؤلفة من ستة حكام من وارتون القادة الخمسة والعشرين.
والفائزون هم ماري كاي، مؤسسة شركة ماري كاي، وجيف بيزونس، المسؤول التنفيذي الرئيسي في أمازون دوت كوم، وجون بوغل، مؤسس فانغارد غروب، وريتشارد برانسون، المسؤول التنفيذي الرئيسي في فيرجن غروب، ووارن بوفيت، المسؤول التنفيذي الرئيسي في بر كشاير هاثواي، وجايمس بيورك، المسؤول التنفيذي الرئيسي في شركة جونسون أند جونسون، ومايكل ديل، المسؤول التنفيذي الرئيسي في مؤسسة ديل، وبيتر دروكر المعلم والمؤلف، ووليام غيتس ،
رئيس مجلس إدارة مايكروسوفت، ووليام جورج، المسؤول التنفيذي السابق في ميدترونيك، ولويس غيرستنر، المسؤول التنفيذي الرئيسي السابق في أي بي إم، وألان غرينسبان، رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، وأندي غروف، رئيس إنتل، ولي أيكوكا، المسؤول التنفيذي الرئيسي السابق لكرايسلر، وستيفن جوبس، المسؤول التنفيذي الرئيسي لأبل كومبيوتر،
وهيربرت كيلهر، رئيس ساوث وست إيرلاينز، وبيتر لينش، المدير السابق لفيداليتيز ميلغان فاند، وشارلز شواب كورب وفردريك سميث، المسؤول التنفيذي الرئيسي لفيدرال إكسبريس، وجورج سوروس، مؤسس ذي أوبن سوسياتي إنستتيوت ورئيسة، وتد ترنر، مؤسس السي إن إن، وسام والتون، مؤسس وال ــ مارت، وجاك ويلش، المسؤول التنفيذي الرئيسي في جنرال إلكتريك، وأوبرا وينفراي، رئيس مجموعة شركات هاربو، ومحمد يونس، مؤسس بنك غرامين.
للتوصل إلى هذه اللائحة من بين المئات من المرشحين، بحثت هيئة وارتون عن القادة المهنيين الذين ابتكروا أفكاراً جديدة ومربحة،. وبحثت عن الأشخاص الذين كان لهم تأثير في العالم السياسي أو المدني، أو في التغير الاجتماعي للعالم التجاري/ الاقتصادي، وأوجدوا فرصاً تجارية جديدة أو استغلوا فرصاً متوفرة إلى أقصى حد، وأثروا أو أحدثوا تغيراً جذرياً في شركة أو صناعة، أو ألهموا الآخرين وحولوهم.
ضمت الهيئة مايكل يوسيم، مدير مركز القيادة وإدارة التغيير، وبيتر كابيلي، مدير مركز البحوث الإنسانية، وراقي أميت، مدير برنامج جورجن للبحوث في شؤون تنظيم العمل، وباربرا كان، نائبة عميد قسم الطلبة غير الخريجين في وارتون، وروبرت ميتلشتاد، النائب السابق لعميد ومدير معهد أريستي للتعليم الإداري (وهو الآن عميد كلية كاري للتجارة في جامعة ولاية أريزونا) ووموكول باندايا المحرر ومدير Knowledge@Wharton.
أندي غروف: الأفضل من بين الأوائل
طلبت نايتلي بيزنس ريبورت من هيئة وارتون انتقاء أكثر القادة تأثيراً من بين هؤلاء القادة الخمسة والعشرين. وكان هذا الشرف من نصيب أندي غروف من شركة إنتل. ولكي نفهم السبب، علينا أولاً الإشارة إلى ما يلي: عندما حصل غروف على شهادة الدكتوراه من جامعة كاليفورنيا، بيركلي، في العام 1963، كان مرشحاً حلماً لمجندي الأعضاء الجدد في الشركات كان أمامه عدد من خيارات العمل، وربما كان أفضلها خيار العمل لدى مختبرات بيل، التي كانت آنذاك قبلة الباحثين في فيزياء الأجسام الصلبة.
غير أن غروف سلك طريقاً آخر. فبدلاً من أن يكون الرئيس في مختبرات بيل، انضم إلى فيرشايلد سيمي كونداكتور، إحدى الشركات الصاعدة التابعة لوست كوست حيث عمل تحت إدارة الأسطورة غولدن موور الذي ترأس عمليات البحوث في الشركة. وكان ذلك مثالاً مبكراً على التفكير المنفتح الذي عبر عنه غروف الذي غادر فيرشايلد موور وآخرين ليؤسسوا معاً شركة إنتل.
وبعد أن خلف موور كمسؤول تنفيذي رئيسي في إنتل في العام 1987، قام غروف بخطوات أخرى تجنب فيها المنطق التقليدي ــ والتي ربما تجلت أثناء حملة »إنتل إنسايد« في فترة التسعينات. في تلك الفترة، كانت الشركات المصنعة للتجهيزات،
مثل آي بي إم، أو الشركات المصنعة للبرمجيات، مثل مايكروسوفت صاحبة أشهر الماركات في صناعة الحواسيب. وبالرغم من أن إنتل كانت تزود أكثر من 80% من الحواسيب في العالم بالمعالجات الصفرية، فبالكاد كانت معروفة خارج نطاق حفنة صغيرة من العاملين في هذه الصناعة.
وبعد أن عزم على تغيير هذا التصور الضيق، قاد غروف شركة إنتل في حملة هجومية لتسويق اسم الشركة بحيث أصبح اسماً مألوفاً بنهاية ذلك العقد. واليوم، وبعد أن أصبحت منتجاتها تلعب دوراً يتزايد أهمية في ربط اقتصاد شبكي عالمي، برزت إنتل كواحدة من كبرى شركات التكنولوجيا في العالم، حيث حققت في العام 2003 عائدات فاقت 30 مليار دولار.
وكانت إدارة غروف لشركة إنتل، التي تميزت على الدوام بالتفكير غير التقليدي، وسعة المخيلة والنزاهة، مفيدة في تسميته القائد المهني الأكثر تأثيراً في السنوات الخمس والعشرين الماضية. وفي هذا الصدد، قال غروف لسوزي غريب، المساعدة في تقديم برنامج نايتلي بيزنس ريبورت »لقد تشابكت حياتي مع إنتل. وأكبر منجزاتي التي أفخر بها، مساهمتي في إنشاء شركة ساعدت في وضع مليار حاسوب في أيدي الناس«.
التعلم من القادة
وبالإضافة إلى تحديد هؤلاء الأفراد كقادة مؤثرين، ناقش حكام وارتون أوجه شخصياتهم التي أسهمت في نجاحهم. في حالة غروف على سبيل المثال، كان انفتاحه على الأفكار غير التقليدية عاملاً حاسماً. غير أنه لكل من هؤلاء القادة سمات يمكن للآخرين التعلم منها.
ولندرس حالة وارن بوفيت، الذي يصفه مايكل يوسيم بأنه »رجل كل المواسم« واستناداً إلى يوسيم، فإن بوفيت لم يكن »مستثمراً غير عادي« حقق عوائد ضخمة للمستثمرين في بركشاير هاثواي وحسب، بل وكان ناجحاً جداً كمسؤول تنفيذي فعال في سالومون برذرز، حيث ساعد في إعادة الثقة بمؤسسة وال ستريت عندما كانت تواجه أزمة إدارية حادة.
في تلك الأيام، يقول يوسيم، »أصبح بوفيت ضمير الشركة، بإظهاره حكمة عظيمة في مناقشة الموضوعات المثيرة للخلاف مثل خيارات تسعير الأسهم«، وبعبارة أخرى، بالإضافة إلى كونه نابغة في تحديد فرص الاستثمار الجيدة، ينبع تأثير بوفيت من مكانته الأخلاقية ونزاهته. وعلى إثر الفضائح المتعلقة بالحسابات وسوء الإدارة والتي هزت الشركات الأميركية في السنين القليلة الماضية، بات من الصعب عدم المبالغة في التأكيد على أهمية الأخلاق كأحد عوامل القيادة.
وعلى غرار بوفيت، يعود تأثير بوغل إلى تحقيقه قيمة كبيرة للمستثمرين ــ من خلال نهج مختلف بالكامل. ولطالما جادل المسؤول التنفيذي الرئيسي السابق في فانغارد غروب بأن »امتلاك سوق الأسهم بكامله بكلفة متدنية جداً هو استراتيجية الاستثمار النهائية«.
قاده هذا الاعتقاد إلى إطلاق فانغارد غروب في العام 1975. كان بوغل رائداً في طرحه فكرة التمويل اعتماداً على المؤشرات وفي المساعدة في الترويج لها ــ والتي أبقت التكاليف متدنية للغاية بالنسبة إلى المستثمرين. يقول بيتر كابيلي »أحد الأسباب التي جعلت بوغل في هذه اللائحة، ذلك التأثير الهائل الذي كان له على الشخص العادي«.
ومقاربة سام ولتون لعملاء وال ــ مارت كانت مشابهة، وفقاً لروبرت ميتلشتاد. فالهدف المتمثل في جعل مجموعة واسعة من المنتجات متوفرة للناس العاديين بأدنى سعر ممكن مكنه من تحويل شركة تبيع بالتجزئة من مؤسسة تملك متجراً واحداً إلى شركة عملاقة تصنف الآن على أنها الرقم 1 وفقاً لفورتشن 500. يقول ميتلشتاد »يتمثل إرث والتون في أن شخصاً وحيداً أمكنه إحداث فارق هائل في إحدى الصناعات.
وهذا الأمر لا يحدث بين ليلة وضحاها، وخصوصاً في صناعة البيع بالتجزئة، لكنه يمكن أن يحدث على امتداد سحابة من السنين. كان والتون يؤمن بتوصيل أكبر قيمة لعملائه بأسعار متدنية«.
حققت قيادة جاك ويلش قيمة كبيرة لحاملي أسهم جنرال إلكتريك. فمن ناحية، استناداً إلى يوسيم، عرف سعر سهم جنرال إلكتريك زيادة بلغت أربعين ضعفاً في فترة شغل ويلش للمنصب، بحيث تجاوز باستمرار معايير 500 S&P. غير ان أبرز نقاط قوته، كما يقول يوسيم، اكتشافه للقادة الآخرين ورعايتهم.
وغالباً ما كان يقول انه لا يعرف كيف يصنع المحركات النفاثة أو انتاج البرامج التلفزيونية المسائية التي تعرض يوم الثلاثاء على أن بي سي، الشركة التابعة لجنرال الكتريك، لكنه يعرف ينتقي الأشخاص ذوي القدرات القيادية، وكيف يوفر لهم الموارد لكي يحققوا أهدافهم، والتخلص منهم ان لم يتمكنوا من ذلك. والنتيجة هي أن ويلش بنى أفضل الفرق القيادية على الإطلاق«.
ويلاحظ ميتلشتاد ان بناء الفرق يعد من سجايا غايتس كقائد. رأى غايتس قدرة الحواسيب الشخصية على تحويل العالم، فحول مايكروسوفت إلى محطة توليد للبرمجيات. كما انه واحد من المنظمين النادرين الذين توسعت إمكاناتهم للتماشي مع نمو المؤسسات التي يديرونها.
يقول ميتلشتاد »هناك القليل جداً من الأشخاص الذين بدأوا كمنظمين للعمل وقادوا شركاتهم التي نمت وبلغت حجماً كبيراً«. في حالة غايتس، كانت لديه رؤية حول تجنيد الناس ثم السماح لهم بخدمة الشركة »بطريقة لا يقدر معظم منظمي العمل على القيام بها«.
إن كل قائد في اللائحة يوفر دروساً مشابهة في القيادة. وفي حين ان أسماء معظم هؤلاء القادة معروفة، لكن القليل منهم لا يحظى بشهرة واسعة أو أنه لم يعد يظهر إلى العلن.
وعلى سبيل المثال، فإن جايمس بيورك كان المسؤول التنفيذي الرئيسي لجونسون أند جونسون عندما واجهت الشركة أزمة التيلينول المعروفة في العام 1982، حيث توفي سبعة أشخاص بعد تناولهم المسكنات التي تنتجها الشركة، واتضح فيما بعد ان شخصاً ما دس الزرنيخ في تلك الحبوب بنية القتل.
وطريقة تعامل بيورك مع تلك الأزمة أصبحت حالة مألوفة لدى العديد من الشركات التي تواجه أزمات. وبيل جورج، المسؤول التنفيذي الرئيسي في ميدترونيك ألف منذ مدة وجيزة كتاباً عن القيادة التي يعتمد عليها والتي تستلهم من تجاربه.
ويعتبر يونس، مؤسس غرامين بنك في بنغلادش، رائداً في حقل التمويل الجزئي، بتوفيره قروضاً بمبالغ تصل إلى 10 دولارات للأشخاص المعوزين. وابتكاره الرائع كان في اكتشافه ان الإقراض يمكن فصله عن الضمانات ويبقى في الوقت ذاته الأساس لعمليات التمويل السليمة. وقد انتشرت برامج القروض الصغيرة التي تحاكي برنامج غرامين في أكثر من 100 دولة.
ومن بين القادة الخمسة والعشرين الذين ذكرت سيرهم في هذا الكتاب، توفي اثنان ـ سام والتون في العام 1992 وماري كاي آش في العام 2001. وقد تم إجراء مقابلات مع خمسة عشر قائداً من بين الثلاثة والعشرين الذين بقوا على قيد الحياة، بمن فيهم جيف بزوس، وجون بوغل، وجايمس بيورك، ومايكل ديل، ووليام جورج، ولويس غيرستنر، ولي أيكوكا، وهيرب كيلهر، وأندرو غروف،
وبيتر لينش، وتشارلز شواب، وفريد سميث، وتد ترنر، وجاك ولش، ومحمد يونس، بالإضافة إلى ابن ماري كاي آش، ريتشارد روجرز. فيما تعذر التحدث إلى ريتشارد برانسون، ووارن بوفيت، وبيتر دروكر، وبيل غيتس.
وألان غرينسبان، وستيف جوبس، وجورج سوروس، وأوبرا وينفري. ولكي نحصل على المعلومات المتعلقة بهؤلاء القادة، اعتمدنا على الكتب التي كتبت عنهم أو كتبوها بأنفسهم، وعلى الخطابات والمقابلات، وعلى المقالات التي نشرت عنهم في الصحف والمجلات.
ويسعى الكتاب إلى استكشاف موضوع القيادة في عشرة فصول. نلقي في الفصل الأول نظرة عن قرب على نهج غروف في القيادة ونناقش السمات التي ساعدته وإنتل على النجاح. وهو يتضمن جدولاً زمنياً بمحطات غروف في الحياة ويناقش أكبر التحديات التي واجهها في حياته المهنية ـ أزمة العيوب التي ظهرت في بانتيوم وكيف تعامل معها.
وتوفر الفصول الثمانية التالية مقدمات موجزة عن كافة القادة من خلال سرد تسلسلات زمنية قصيرة تغطي نقاط التحول أو المعالم الرئيسية في حياة كل منهم. يترافق هذا السرد مع مقالات تصف تحدياً كبيراً في الحياة المهنية لكل منهم وكيفية تعامله معه.
والشيء المدهش في هذه التحديات هو تنوعها الكبير. فعلى سبيل المثال، كان التحدي الذي واجهه كيلهر يتعلق بالإقلاع بخطوط طيران ساوث وست من الأرض ـ بالمعنى الحرفي للكلمة. والتحدي الذي واجهه غيتس كان في التعامل مع المنظمات على جانبي الأطلسي لكي يتسنى لمايكروسوفت متابعة نموها. وكان على آش حفز قوة مبيعات تعد بالآلاف.
واستخدم والتون استراتيجية للتسعير كما يستخدم لاعب الشيش سيفه لإبقاء منافسه الرئيسي في وضعية الدفاع عن النفس. وكان على جوبس التنافس مع منافس كبير ـ آي بي أم ـ التي كانت تهدد بدفع شركة أبل كومبيوترز حديثة العهد إلى الإفلاس.
السمات الثماني للقيادة الخالدة
هناك ثماني سمات أو صفات مكنت خمسة وعشرين فرداً من التغلب على التحديات، ومكنت كلاً منهم من تعزيز أسلوب قيادته الخاص، وهي:
ـ بناء ثقافة مشتركة قوية.
ـ قول الحقيقة.
ـ العثور على الأسواق التي لا تحظى بالخدمة الكافية وتزويدها بالمنتجات.
ـ »رؤية ما هو غير مرئي« ـ بمعنى تحديدها الفائزين المحتملين أو الميول الضعيفة قبل قيام منافسيهم أو عملائهم بذلك.
ـ استخدام السعر في إيجاد ميزة تنافسية.
ـ إدارة وبناء سمعة منظمة القيادة (والتي قد تكون في بعض الحالات اسم المنظمة نفسها).
ـ قابلية التعلم بسرعة.
ـ إدارة المخاطر.
وليس في القادة من تحلى بكل هذه السمات. ولو كان ذلك من مقتضيات القيادة، لما كان وجد في العالم قادة أصلاً. وفي الوقت نفسه، نجد ان سمة واحدة لا تكفي لضمان قيادة تدوم طويلاً. فقد ينجح قائد يتحلى بواحدة من هذه السمات لفترة قصيرة، لكن هذا النجاح لن يدوم ما لم تتوفر صفات أخرى تبقي العجلة دائرة.
ما هي تركيبات السمات الأكثر فعالية؟ قد لا يكون من السهل الإجابة عن هذا السؤال: فالتركيبات متنوعة بقدر تنوع القادة، وهذا ما جعل كل القادة الخمسة والعشرين مختلفين عن بعضهم كل الاختلاف.
فما يجعل مايكل ديل أو جيف بيزوس ناجحاً في صناعته يختلف عن الذي يجعل بيتر لينش أو أوبرا وينفري ينمو في صناعته. وفي هذه الحقيقة بالذات يكمن السبب الرئيسي للتفاؤل: فإذا كان من الممكن وجود عدد لا يحصى من التركيبات المحتملة، فهذا يعني أنه ينبغي أن يجد كل قارئ لهذا الكتاب في نفسه القليل من الصفات على الأقل، والتي إن رعاها، يمكن ان تؤول إلى أسلوب قيادة أكثر فعالية. وبالمختصر، هناك أمل لكل واحد منا في أن يصبح قائداً ناجحاً.
ومع ذلك، إذا كانت توجد سمة يشترك فيها جميع القادة، فهذا يدل على الثبات. وبخلاف من يوصفون بالمديرين المتسلسلين الذين ينهون أعمالهم مع شركاتهم بعد بضع سنين ويشرعون في مغامراتهم التالية، كان لهؤلاء القادة رؤية بعيدة المدى.
كانوا على استعداد لقيادة شركاتهم في أوقات الشدة والرخاء. هذا الاستعداد للعمل بجد والبقاء في اللعبة حتى بلوغ الهدف انعكس في نجاح مؤسساتهم وفي دوام تأثيرهم الخاص كقادة.
عندما سئل غروف عن سبب عدم تركه لإنتل وتأسيس شركة أخرى، أجاب »إنتل مثل النهر. إنه يتغير كل يوم، ووراء كل انعطاف، توجد بداية جديدة، تحد جديد. لا يمكنني التفكير في أي مكان آخر كنت أتمنى لو انني عملت فيه
في يونيو من العام 2000، تحدث جون بوغل، مؤسس فانغارد غروب والمسؤول التنفيذي السابق فيها، عن القيادة في مدرسة وارتون التابعة لجامعة بنسلفانيا.
وفي ما كانت مجموعة متعطشة من المديرين يستمعون إلى الرجل الذي روج لمبدأ الاستثمار المعتمد على المؤشرات ـــ والذي حول في تلك الأثناء فانغارد غروب إلى شركة تدير أكثر من 550 مليار دولار من (الموجودات Assets) ـــ ختم بوغل خطابه بالاقتباس عن جايمس نوريس، أحد مديري فانغارد، الذي كتب: »في حين أن دراسة ما يكون القائد قد تكشف عن بعض الأمور، فإن بحثك الهادف إلى فهم صيغة للقيادة من نوع ما، يمكن أن ينتهي بك إلى الإصابة بالإحباط.
فالأمر أشبه بدراسة مايكل أنجلو أو شيكسبير: يمكنك التقليد، والمحاكاة، والتقمص، لكنك لن تجد بكل بساطة صيغة لوصل النقاط لدافيد، أحد أعمال مايكل أنجلو، أو هاملت، إحدى مسرحيات شيكسبير. وأنا أفترض، بعد كل ما قيل وفعل، بأن الأمر يتلخص بما يلي: »الناس قادة لأنهم اختاروا قيادة الآخرين«.
يمكن تعريف جوهر القيادة ببساطة بأنه: مسألة اختيار وإصرار. لكن الصحيح أيضاً أنه لا يوجد قائدان متشابهان في كل الصفات. فقد جمع غاندي وتشرشل الملايين خلفهما، لكن ليس بالطريقة ذاتها ولا للأسباب نفسها. في عالم الأعمال، ربما تشترك طريقة قيادة جون بوغل لفانغارد في شيء من صفاتها مع طريقة وارن بوفيت في إدارته لبير كشاير هاثاواي، لكن الفوارق بينهما كبيرة أيضاً ـــ بالرغم من أنهما تطورتا على نطاق واسع في عالم »الاستثمار«.
كما أن أندي غروف وبيل غيتس هما رئيسان لشركتين تبيعان التكنولوجيا المتقدمة وتسيطران على الأسواق التي تعملان فيها ــ لكن في حين ترعرع غيتس بوصفه الابن المدلل لمحام ثري، نجد أن غروف، أمضى أعوامه الأولى وهو يعاني من الشدائد في هنغاريا الستالينية. وانعكست خلفياتهما المتباينة جداً في نهجيهما في القيادة.
وإذا كان ذلك صحيحاً، فإن الأشخاص الذين يحتارون ويصرون على أن يصبحوا قادة مهنيين مؤثرين، يمكنهم الاستفادة من مراقبة القادة الآخرين واستخدام ملاحظاتهم في اكتشاف أسلوبهم الخاص في القيادة وتعزيزه. وليس الهدف من دراسة سير القادة المهنيين الآخرين تقليدهم في صفاتهم بقدر ما هو اكتشاف تلك السمات التي تجد لها صدى مع سمات الباحث،
وبالتالي رعايتها من أجل زيادة مهاراته وقدراته القيادية. فالقادة يصنعون ولا يولدون. واكتشاف سمات القيادة يمكن أن يساعد الناس في زيادة تأثيرهم في المحيط الذي يعملون فيه. صحيح أن من يقوم بذلك قد لا يصبح ماري كاري آش أو جاك ويلش آخر، لكن احتمالات تحوله إلى قائد أفضل تصبح أكثر منها لو لم يمتلك تلك المعرفة.
وكتاب »نخبة القادة الإداريين«: ما الذي يمكنك تعلمه من رجال الأعمال الخمسة والعشرين الأول في زماننا«، يعتمد على هذه المقدمة. إنه حصيلة التعاون بين نايتلي بيزنس ريبورت، البرنامج المهني اليومي الذي يحظى بأكبر عدد من المشاهدين لشاشات التلفاز الأميركية، والمجلة التي تحلل وتبحث في القضايا المهنية على الإنترنت، والتي تصدرها كلية وارتون التابعة لجامعة بنسيلفانيا.
وللاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة والعشرين للنايتلي بيزنس ريبورت التي صادفت في يناير 2004، عملت وارتوت والنايتلي معاً على تحديد القادة المهنيين الخمسة والعشرين الأكثر تأثيراً في السنوات الخمس والعشرين الماضية.
ورشح مشاهدو برنامج النايتلي بيزنس ريبورت أكثر من 700 رجل أعمال من مختلف أنحاء العالم، ومن بين هؤلاء، اختارت لجنة مؤلفة من ستة حكام من وارتون القادة الخمسة والعشرين.
والفائزون هم ماري كاي، مؤسسة شركة ماري كاي، وجيف بيزونس، المسؤول التنفيذي الرئيسي في أمازون دوت كوم، وجون بوغل، مؤسس فانغارد غروب، وريتشارد برانسون، المسؤول التنفيذي الرئيسي في فيرجن غروب، ووارن بوفيت، المسؤول التنفيذي الرئيسي في بر كشاير هاثواي، وجايمس بيورك، المسؤول التنفيذي الرئيسي في شركة جونسون أند جونسون، ومايكل ديل، المسؤول التنفيذي الرئيسي في مؤسسة ديل، وبيتر دروكر المعلم والمؤلف، ووليام غيتس ،
رئيس مجلس إدارة مايكروسوفت، ووليام جورج، المسؤول التنفيذي السابق في ميدترونيك، ولويس غيرستنر، المسؤول التنفيذي الرئيسي السابق في أي بي إم، وألان غرينسبان، رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، وأندي غروف، رئيس إنتل، ولي أيكوكا، المسؤول التنفيذي الرئيسي السابق لكرايسلر، وستيفن جوبس، المسؤول التنفيذي الرئيسي لأبل كومبيوتر،
وهيربرت كيلهر، رئيس ساوث وست إيرلاينز، وبيتر لينش، المدير السابق لفيداليتيز ميلغان فاند، وشارلز شواب كورب وفردريك سميث، المسؤول التنفيذي الرئيسي لفيدرال إكسبريس، وجورج سوروس، مؤسس ذي أوبن سوسياتي إنستتيوت ورئيسة، وتد ترنر، مؤسس السي إن إن، وسام والتون، مؤسس وال ــ مارت، وجاك ويلش، المسؤول التنفيذي الرئيسي في جنرال إلكتريك، وأوبرا وينفراي، رئيس مجموعة شركات هاربو، ومحمد يونس، مؤسس بنك غرامين.
للتوصل إلى هذه اللائحة من بين المئات من المرشحين، بحثت هيئة وارتون عن القادة المهنيين الذين ابتكروا أفكاراً جديدة ومربحة،. وبحثت عن الأشخاص الذين كان لهم تأثير في العالم السياسي أو المدني، أو في التغير الاجتماعي للعالم التجاري/ الاقتصادي، وأوجدوا فرصاً تجارية جديدة أو استغلوا فرصاً متوفرة إلى أقصى حد، وأثروا أو أحدثوا تغيراً جذرياً في شركة أو صناعة، أو ألهموا الآخرين وحولوهم.
ضمت الهيئة مايكل يوسيم، مدير مركز القيادة وإدارة التغيير، وبيتر كابيلي، مدير مركز البحوث الإنسانية، وراقي أميت، مدير برنامج جورجن للبحوث في شؤون تنظيم العمل، وباربرا كان، نائبة عميد قسم الطلبة غير الخريجين في وارتون، وروبرت ميتلشتاد، النائب السابق لعميد ومدير معهد أريستي للتعليم الإداري (وهو الآن عميد كلية كاري للتجارة في جامعة ولاية أريزونا) ووموكول باندايا المحرر ومدير Knowledge@Wharton.
أندي غروف: الأفضل من بين الأوائل
طلبت نايتلي بيزنس ريبورت من هيئة وارتون انتقاء أكثر القادة تأثيراً من بين هؤلاء القادة الخمسة والعشرين. وكان هذا الشرف من نصيب أندي غروف من شركة إنتل. ولكي نفهم السبب، علينا أولاً الإشارة إلى ما يلي: عندما حصل غروف على شهادة الدكتوراه من جامعة كاليفورنيا، بيركلي، في العام 1963، كان مرشحاً حلماً لمجندي الأعضاء الجدد في الشركات كان أمامه عدد من خيارات العمل، وربما كان أفضلها خيار العمل لدى مختبرات بيل، التي كانت آنذاك قبلة الباحثين في فيزياء الأجسام الصلبة.
غير أن غروف سلك طريقاً آخر. فبدلاً من أن يكون الرئيس في مختبرات بيل، انضم إلى فيرشايلد سيمي كونداكتور، إحدى الشركات الصاعدة التابعة لوست كوست حيث عمل تحت إدارة الأسطورة غولدن موور الذي ترأس عمليات البحوث في الشركة. وكان ذلك مثالاً مبكراً على التفكير المنفتح الذي عبر عنه غروف الذي غادر فيرشايلد موور وآخرين ليؤسسوا معاً شركة إنتل.
وبعد أن خلف موور كمسؤول تنفيذي رئيسي في إنتل في العام 1987، قام غروف بخطوات أخرى تجنب فيها المنطق التقليدي ــ والتي ربما تجلت أثناء حملة »إنتل إنسايد« في فترة التسعينات. في تلك الفترة، كانت الشركات المصنعة للتجهيزات،
مثل آي بي إم، أو الشركات المصنعة للبرمجيات، مثل مايكروسوفت صاحبة أشهر الماركات في صناعة الحواسيب. وبالرغم من أن إنتل كانت تزود أكثر من 80% من الحواسيب في العالم بالمعالجات الصفرية، فبالكاد كانت معروفة خارج نطاق حفنة صغيرة من العاملين في هذه الصناعة.
وبعد أن عزم على تغيير هذا التصور الضيق، قاد غروف شركة إنتل في حملة هجومية لتسويق اسم الشركة بحيث أصبح اسماً مألوفاً بنهاية ذلك العقد. واليوم، وبعد أن أصبحت منتجاتها تلعب دوراً يتزايد أهمية في ربط اقتصاد شبكي عالمي، برزت إنتل كواحدة من كبرى شركات التكنولوجيا في العالم، حيث حققت في العام 2003 عائدات فاقت 30 مليار دولار.
وكانت إدارة غروف لشركة إنتل، التي تميزت على الدوام بالتفكير غير التقليدي، وسعة المخيلة والنزاهة، مفيدة في تسميته القائد المهني الأكثر تأثيراً في السنوات الخمس والعشرين الماضية. وفي هذا الصدد، قال غروف لسوزي غريب، المساعدة في تقديم برنامج نايتلي بيزنس ريبورت »لقد تشابكت حياتي مع إنتل. وأكبر منجزاتي التي أفخر بها، مساهمتي في إنشاء شركة ساعدت في وضع مليار حاسوب في أيدي الناس«.
التعلم من القادة
وبالإضافة إلى تحديد هؤلاء الأفراد كقادة مؤثرين، ناقش حكام وارتون أوجه شخصياتهم التي أسهمت في نجاحهم. في حالة غروف على سبيل المثال، كان انفتاحه على الأفكار غير التقليدية عاملاً حاسماً. غير أنه لكل من هؤلاء القادة سمات يمكن للآخرين التعلم منها.
ولندرس حالة وارن بوفيت، الذي يصفه مايكل يوسيم بأنه »رجل كل المواسم« واستناداً إلى يوسيم، فإن بوفيت لم يكن »مستثمراً غير عادي« حقق عوائد ضخمة للمستثمرين في بركشاير هاثواي وحسب، بل وكان ناجحاً جداً كمسؤول تنفيذي فعال في سالومون برذرز، حيث ساعد في إعادة الثقة بمؤسسة وال ستريت عندما كانت تواجه أزمة إدارية حادة.
في تلك الأيام، يقول يوسيم، »أصبح بوفيت ضمير الشركة، بإظهاره حكمة عظيمة في مناقشة الموضوعات المثيرة للخلاف مثل خيارات تسعير الأسهم«، وبعبارة أخرى، بالإضافة إلى كونه نابغة في تحديد فرص الاستثمار الجيدة، ينبع تأثير بوفيت من مكانته الأخلاقية ونزاهته. وعلى إثر الفضائح المتعلقة بالحسابات وسوء الإدارة والتي هزت الشركات الأميركية في السنين القليلة الماضية، بات من الصعب عدم المبالغة في التأكيد على أهمية الأخلاق كأحد عوامل القيادة.
وعلى غرار بوفيت، يعود تأثير بوغل إلى تحقيقه قيمة كبيرة للمستثمرين ــ من خلال نهج مختلف بالكامل. ولطالما جادل المسؤول التنفيذي الرئيسي السابق في فانغارد غروب بأن »امتلاك سوق الأسهم بكامله بكلفة متدنية جداً هو استراتيجية الاستثمار النهائية«.
قاده هذا الاعتقاد إلى إطلاق فانغارد غروب في العام 1975. كان بوغل رائداً في طرحه فكرة التمويل اعتماداً على المؤشرات وفي المساعدة في الترويج لها ــ والتي أبقت التكاليف متدنية للغاية بالنسبة إلى المستثمرين. يقول بيتر كابيلي »أحد الأسباب التي جعلت بوغل في هذه اللائحة، ذلك التأثير الهائل الذي كان له على الشخص العادي«.
ومقاربة سام ولتون لعملاء وال ــ مارت كانت مشابهة، وفقاً لروبرت ميتلشتاد. فالهدف المتمثل في جعل مجموعة واسعة من المنتجات متوفرة للناس العاديين بأدنى سعر ممكن مكنه من تحويل شركة تبيع بالتجزئة من مؤسسة تملك متجراً واحداً إلى شركة عملاقة تصنف الآن على أنها الرقم 1 وفقاً لفورتشن 500. يقول ميتلشتاد »يتمثل إرث والتون في أن شخصاً وحيداً أمكنه إحداث فارق هائل في إحدى الصناعات.
وهذا الأمر لا يحدث بين ليلة وضحاها، وخصوصاً في صناعة البيع بالتجزئة، لكنه يمكن أن يحدث على امتداد سحابة من السنين. كان والتون يؤمن بتوصيل أكبر قيمة لعملائه بأسعار متدنية«.
حققت قيادة جاك ويلش قيمة كبيرة لحاملي أسهم جنرال إلكتريك. فمن ناحية، استناداً إلى يوسيم، عرف سعر سهم جنرال إلكتريك زيادة بلغت أربعين ضعفاً في فترة شغل ويلش للمنصب، بحيث تجاوز باستمرار معايير 500 S&P. غير ان أبرز نقاط قوته، كما يقول يوسيم، اكتشافه للقادة الآخرين ورعايتهم.
وغالباً ما كان يقول انه لا يعرف كيف يصنع المحركات النفاثة أو انتاج البرامج التلفزيونية المسائية التي تعرض يوم الثلاثاء على أن بي سي، الشركة التابعة لجنرال الكتريك، لكنه يعرف ينتقي الأشخاص ذوي القدرات القيادية، وكيف يوفر لهم الموارد لكي يحققوا أهدافهم، والتخلص منهم ان لم يتمكنوا من ذلك. والنتيجة هي أن ويلش بنى أفضل الفرق القيادية على الإطلاق«.
ويلاحظ ميتلشتاد ان بناء الفرق يعد من سجايا غايتس كقائد. رأى غايتس قدرة الحواسيب الشخصية على تحويل العالم، فحول مايكروسوفت إلى محطة توليد للبرمجيات. كما انه واحد من المنظمين النادرين الذين توسعت إمكاناتهم للتماشي مع نمو المؤسسات التي يديرونها.
يقول ميتلشتاد »هناك القليل جداً من الأشخاص الذين بدأوا كمنظمين للعمل وقادوا شركاتهم التي نمت وبلغت حجماً كبيراً«. في حالة غايتس، كانت لديه رؤية حول تجنيد الناس ثم السماح لهم بخدمة الشركة »بطريقة لا يقدر معظم منظمي العمل على القيام بها«.
إن كل قائد في اللائحة يوفر دروساً مشابهة في القيادة. وفي حين ان أسماء معظم هؤلاء القادة معروفة، لكن القليل منهم لا يحظى بشهرة واسعة أو أنه لم يعد يظهر إلى العلن.
وعلى سبيل المثال، فإن جايمس بيورك كان المسؤول التنفيذي الرئيسي لجونسون أند جونسون عندما واجهت الشركة أزمة التيلينول المعروفة في العام 1982، حيث توفي سبعة أشخاص بعد تناولهم المسكنات التي تنتجها الشركة، واتضح فيما بعد ان شخصاً ما دس الزرنيخ في تلك الحبوب بنية القتل.
وطريقة تعامل بيورك مع تلك الأزمة أصبحت حالة مألوفة لدى العديد من الشركات التي تواجه أزمات. وبيل جورج، المسؤول التنفيذي الرئيسي في ميدترونيك ألف منذ مدة وجيزة كتاباً عن القيادة التي يعتمد عليها والتي تستلهم من تجاربه.
ويعتبر يونس، مؤسس غرامين بنك في بنغلادش، رائداً في حقل التمويل الجزئي، بتوفيره قروضاً بمبالغ تصل إلى 10 دولارات للأشخاص المعوزين. وابتكاره الرائع كان في اكتشافه ان الإقراض يمكن فصله عن الضمانات ويبقى في الوقت ذاته الأساس لعمليات التمويل السليمة. وقد انتشرت برامج القروض الصغيرة التي تحاكي برنامج غرامين في أكثر من 100 دولة.
ومن بين القادة الخمسة والعشرين الذين ذكرت سيرهم في هذا الكتاب، توفي اثنان ـ سام والتون في العام 1992 وماري كاي آش في العام 2001. وقد تم إجراء مقابلات مع خمسة عشر قائداً من بين الثلاثة والعشرين الذين بقوا على قيد الحياة، بمن فيهم جيف بزوس، وجون بوغل، وجايمس بيورك، ومايكل ديل، ووليام جورج، ولويس غيرستنر، ولي أيكوكا، وهيرب كيلهر، وأندرو غروف،
وبيتر لينش، وتشارلز شواب، وفريد سميث، وتد ترنر، وجاك ولش، ومحمد يونس، بالإضافة إلى ابن ماري كاي آش، ريتشارد روجرز. فيما تعذر التحدث إلى ريتشارد برانسون، ووارن بوفيت، وبيتر دروكر، وبيل غيتس.
وألان غرينسبان، وستيف جوبس، وجورج سوروس، وأوبرا وينفري. ولكي نحصل على المعلومات المتعلقة بهؤلاء القادة، اعتمدنا على الكتب التي كتبت عنهم أو كتبوها بأنفسهم، وعلى الخطابات والمقابلات، وعلى المقالات التي نشرت عنهم في الصحف والمجلات.
ويسعى الكتاب إلى استكشاف موضوع القيادة في عشرة فصول. نلقي في الفصل الأول نظرة عن قرب على نهج غروف في القيادة ونناقش السمات التي ساعدته وإنتل على النجاح. وهو يتضمن جدولاً زمنياً بمحطات غروف في الحياة ويناقش أكبر التحديات التي واجهها في حياته المهنية ـ أزمة العيوب التي ظهرت في بانتيوم وكيف تعامل معها.
وتوفر الفصول الثمانية التالية مقدمات موجزة عن كافة القادة من خلال سرد تسلسلات زمنية قصيرة تغطي نقاط التحول أو المعالم الرئيسية في حياة كل منهم. يترافق هذا السرد مع مقالات تصف تحدياً كبيراً في الحياة المهنية لكل منهم وكيفية تعامله معه.
والشيء المدهش في هذه التحديات هو تنوعها الكبير. فعلى سبيل المثال، كان التحدي الذي واجهه كيلهر يتعلق بالإقلاع بخطوط طيران ساوث وست من الأرض ـ بالمعنى الحرفي للكلمة. والتحدي الذي واجهه غيتس كان في التعامل مع المنظمات على جانبي الأطلسي لكي يتسنى لمايكروسوفت متابعة نموها. وكان على آش حفز قوة مبيعات تعد بالآلاف.
واستخدم والتون استراتيجية للتسعير كما يستخدم لاعب الشيش سيفه لإبقاء منافسه الرئيسي في وضعية الدفاع عن النفس. وكان على جوبس التنافس مع منافس كبير ـ آي بي أم ـ التي كانت تهدد بدفع شركة أبل كومبيوترز حديثة العهد إلى الإفلاس.
السمات الثماني للقيادة الخالدة
هناك ثماني سمات أو صفات مكنت خمسة وعشرين فرداً من التغلب على التحديات، ومكنت كلاً منهم من تعزيز أسلوب قيادته الخاص، وهي:
ـ بناء ثقافة مشتركة قوية.
ـ قول الحقيقة.
ـ العثور على الأسواق التي لا تحظى بالخدمة الكافية وتزويدها بالمنتجات.
ـ »رؤية ما هو غير مرئي« ـ بمعنى تحديدها الفائزين المحتملين أو الميول الضعيفة قبل قيام منافسيهم أو عملائهم بذلك.
ـ استخدام السعر في إيجاد ميزة تنافسية.
ـ إدارة وبناء سمعة منظمة القيادة (والتي قد تكون في بعض الحالات اسم المنظمة نفسها).
ـ قابلية التعلم بسرعة.
ـ إدارة المخاطر.
وليس في القادة من تحلى بكل هذه السمات. ولو كان ذلك من مقتضيات القيادة، لما كان وجد في العالم قادة أصلاً. وفي الوقت نفسه، نجد ان سمة واحدة لا تكفي لضمان قيادة تدوم طويلاً. فقد ينجح قائد يتحلى بواحدة من هذه السمات لفترة قصيرة، لكن هذا النجاح لن يدوم ما لم تتوفر صفات أخرى تبقي العجلة دائرة.
ما هي تركيبات السمات الأكثر فعالية؟ قد لا يكون من السهل الإجابة عن هذا السؤال: فالتركيبات متنوعة بقدر تنوع القادة، وهذا ما جعل كل القادة الخمسة والعشرين مختلفين عن بعضهم كل الاختلاف.
فما يجعل مايكل ديل أو جيف بيزوس ناجحاً في صناعته يختلف عن الذي يجعل بيتر لينش أو أوبرا وينفري ينمو في صناعته. وفي هذه الحقيقة بالذات يكمن السبب الرئيسي للتفاؤل: فإذا كان من الممكن وجود عدد لا يحصى من التركيبات المحتملة، فهذا يعني أنه ينبغي أن يجد كل قارئ لهذا الكتاب في نفسه القليل من الصفات على الأقل، والتي إن رعاها، يمكن ان تؤول إلى أسلوب قيادة أكثر فعالية. وبالمختصر، هناك أمل لكل واحد منا في أن يصبح قائداً ناجحاً.
ومع ذلك، إذا كانت توجد سمة يشترك فيها جميع القادة، فهذا يدل على الثبات. وبخلاف من يوصفون بالمديرين المتسلسلين الذين ينهون أعمالهم مع شركاتهم بعد بضع سنين ويشرعون في مغامراتهم التالية، كان لهؤلاء القادة رؤية بعيدة المدى.
كانوا على استعداد لقيادة شركاتهم في أوقات الشدة والرخاء. هذا الاستعداد للعمل بجد والبقاء في اللعبة حتى بلوغ الهدف انعكس في نجاح مؤسساتهم وفي دوام تأثيرهم الخاص كقادة.
عندما سئل غروف عن سبب عدم تركه لإنتل وتأسيس شركة أخرى، أجاب »إنتل مثل النهر. إنه يتغير كل يوم، ووراء كل انعطاف، توجد بداية جديدة، تحد جديد. لا يمكنني التفكير في أي مكان آخر كنت أتمنى لو انني عملت فيه